للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الربّ» (١)، فإنَّ موت البنين من العوارض التي توجب للعبد التسخُّط على القدر، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لا يقول في مثل هذا المقام الذي يسخطه أكثر الناس، فيتكلَّمون بما لا يرضي الله عز وجل، ويفعلون ما لا يرضيه (٢) = إلَّا ما يرضي ربَّه تبارك وتعالى.

ولهذا لمَّا مات ابن الفضيل بن عياضٍ رُئي في الجنازة ضاحكًا، فقيل له: تضحك وقد مات ابنك؟! فقال: إنَّ الله قضى بقضاءٍ فأحببتُ أن أرضى بقضائه (٣).

فأنكرت طائفةٌ هذا على الفضيل، وقالوا: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بكى يوم موت ابنه، وأخبر أنَّ القلب يحزن والعين تدمع، وهو في أعلى مقامات الرِّضا. فكيف يعدُّ هذا في مناقب الفضيل؟

والتحقيق: أن قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتَّسع لتكميل المراتب من الرِّضا عن الله والبكاء رحمةً للصبي، فكان له مقام الرِّضا ومقام الرحمة ورقَّة القلب. والفضيل لم يتَّسع لذلك، فغيَّبه مقام الرضا عن مقام الرحمة، فلم يجتمع له الأمران. والناس في ذلك على أربع مراتب.

أحدها: من اجتمع له الرِّضا بالقضاء ورحمة الطِّفل، فدمعت عيناه رحمةً والقلبُ راضٍ.


(١) أخرجه البخاري (١٣٠٣) ومسلم (٢٣١٥) من حديث أنس.
(٢) ع: «يرضاه».
(٣) أسنده ابن أبي الدنيا في «الرضا عن الله» (٩٠)، ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (٨/ ١٠٠)، وذكره القشيري في ترجمة الفضيل من «الرسالة» (ص ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>