للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلفوا في مسألةٍ تتعلَّق بذلك، وهي أهل مقاماتٍ ثلاثةٍ، أحدهم: يحبُّ الموت شوقًا إلى الله ولقائه، والثَّاني: يحبُّ البقاء للخدمة والتقرُّب، والثالث قال: لا أختار شيئًا، بل أرضى بما يختار لي مولاي، إن شاء أحياني وإن شاء أماتني. فتحاكموا إلى بعض العارفين، فقال: صاحب الرِّضا أفضلهم، لأنَّه أقلُّهم فضولًا (١).

ولا ريب أنَّ مقام الرِّضا فوق مقام الشّوق والزُّهد في الدُّنيا. بقي النظر في مقامَي الآخَرَين: أيُّهما أعلى؟ فرجَّحت طائفةٌ مقام من أحبَّ الموت، لأنَّه في مقام الشوق إلى لقاء الله ومحبَّة لقائه؛ ومن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه (٢).

ورجَّحت طائفةٌ مقامَ مريد البقاء لتنفيذ أوامر الربِّ تعالى. واحتجُّوا بأنَّ الأوَّل محبٌّ لحظِّه من الله، وهذا محبٌّ لمراد الله منه، لم يشبع منه ولم يقض منه وطرًا.

قالوا: وهذا حال موسى ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ حين لطم وجه ملك الموت ففقأ عينه (٣)، لا محبَّةً للدُّنيا، ولكن لينفِّذ (٤) أوامر الله ومراضيه في الناس، فكأنَّه قال: أنت عبده وأنا عبده، وأنت في طاعته وأنا في طاعته وتنفيذ أوامره.


(١) «قوت القلوب» (١/ ٤٤). وزاد في ع: «وأقرب إلى السلامة»، وليس في مصدر النقل.
(٢) جزء من حديث عبادة بن الصامت وأبي موسى المتفق عليهما، ورواه مسلم أيضًا عن عائشة وأبي هريرة. البخاري (٦٥٠٧، ٦٥٠٨) ومسلم (٢٦٨٣ - ٢٦٨٦).
(٣) كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (١٣٣٩) ومسلم (٢٣٧٢).
(٤) ع: «لتنفيذ».

<<  <  ج: ص:  >  >>