للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توارى حكمها، فصاحبها في مزيدٍ متَّصل، فمزيد المحبِّ الرّاضي متَّصلٌ بدوام هذه الحال له، فهو في مزيدٍ ولو فترت جوارحه. بل قد يكون مزيده في حال سكونه وفتوره أكثر من مزيد كثيرٍ من أهل النوافل بما لا نسبة بينهما، ويبلغ ذلك بصاحبه إلى أن يكون مزيده في حال نومه أكثر من مزيد كثيرٍ من أهل القيام (١).

فإن أنكرت هذا فتأمَّل مزيد نائمٍ بالله وقائم غافلٍ عن الله، فالله سبحانه ينظر إلى القلوب والهمم والعزائم، لا إلى صور الأعمال، وقيمة العبد: همَّته وإرادته. فمن لا يرضيه غيرُ الله ــ ولو أعطي الدُّنيا بحذافيرها ــ له شأن، ومن يرضيه أدنى حظٍّ من حظوظها له شأن، وإن كانت أعمالهما في الصُّورة واحدة، وقد تكون أعمال هذا (٢) أكثرَ وأشقَّ. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وقد اختلف أرباب هذا الشأن في مسألةٍ وهي: هل للرِّضا حدٌّ ينتهي إليه أم لا؟ فقال أبو سليمان الداراني: ثلاث مقاماتٍ لا حدَّ لها: الزُّهد، والورع، والرِّضا. وخالفه سليمان ابنه ــ وكان عارفًا حتى إنَّ من الناس من كان يقدِّمه على أبيه ــ فقال: بل من تورَّع في كلِّ شيءٍ فقد بلغ حدَّ الورع، ومن زهد في غير الله فقد بلغ حدَّ الزُّهد، ومن رضي عن الله في كلِّ شيءٍ فقد بلغ حدَّ الرِّضا (٣).


(١) زاد في ع: «وأكلِه أكثر من مزيد كثير من أهل الصيام والجوع».
(٢) ع: «أعمال الملتفت إلى الحظوظ».
(٣) أسند قوليهما ابن أبي الدنيا في «الرضاء عن الله بقضائه» (١٠٢) وأبو نعيم في «الحلية» (٩/ ٢٥٨) بنحوه. والمؤلف صادر عن «قوت القلوب» (١/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>