للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن وجوده الطبيعيِّ النفسيِّ، وبقي بهذا الوجود العلويِّ القدسيِّ، فيعود عليه تمييزُه وفرقانُه، ورضاه عن ربِّه تعالى، ومقاماتُ إيمانه. وهذا أكمل وأعلى من فنائه عنها كالسكران.

فإن قلت (١): فهل يمكن وصولُه إلى هذا المقام من غير درب الفناء، وعبورُه إليه على غير جسره؟

قلت: اختلف في ذلك، فطائفةٌ ظنَّت أنَّه لا يصل إلى البقاء وإلى هذا الوجود المطهَّر إلَّا بعد عبوره على جسر الفناء، فعدُّوه لازمًا من لوازم السَّير إلى الله.

وقالت طائفةٌ: بل يمكن الوصول إلى الله (٢) على غير درب الفناء. والفناءُ عندهم عارضٌ (٣)، لا لازم. وسببه: قوَّة الوارد، وضعفُ المحلِّ، واستجلابُه بتعاطي أسبابه.

والتحقيق: أنَّه لا يصل إلى هذا المقام إلَّا بعد عبوره على جسر الفناء عن مراده بمراد سيِّده، فما لم يحصل له هذا الفناء فلا سبيل له إلى ذلك البقاء. وأمَّا فناؤه عن وجوده، فليس بشرط لذلك البقاء، ولا هو من لوازمه.

وصاحب هذا المقام هو في رضاه عن ربِّه بربِّه لا بنفسه (٤)، فيرى ذلك


(١) لعل هذا هو الأمر الثاني.
(٢) ع: «البقاء».
(٣) زاد في ع: «من عوارض الطرق».
(٤) زاد في ع: «كما هو في توكله وتفويضه وتسليمه وإخلاصه ومحبته وغير ذلك من أحواله بربِّه لا بنفسه».

<<  <  ج: ص:  >  >>