للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعلى، لأنَّ الشُّكر يتضمَّن نوع دعوى، وأنَّه شكر الحقِّ على إنعامه، ففي الشاكر بقيَّةٌ من بقايا رسمه لم يفنَ عنها (١). فلو فني عنها بتحقُّقه أنَّ الحقَّ سبحانه هو الذي شكر نفسه بنفسه، وأنَّ من لم يكن كيف يشكر من لم يزل= علم أنَّ الشُّكر من منازل العامَّة.

ولو أنَّ السُّلطان كسا عبدًا من عبيده ثوبًا من ثيابه، فأخذ يشكر السُّلطان على ذلك= لعُدَّ مخطئًا، مسيئًا للأدب، فإنَّه مدَّعٍ بذلك مكافأة السُّلطان بشكره، فإنَّ الشُّكر مكافأةٌ، والعبد أصغر قدرًا من المكافأة. والشُّهود للحقيقة يقتضي اتِّحادَ (٢) نسبة الأخذ والعطاء، ورجوعَها إلى وصف المعطي وحوله وقوَّته، فالخاصَّة يسقط عندهم الشُّكر بالشُّهود، وفي حقِّهم ما هو أعلى منه.

هذا غايةُ تقرير كلامهم، وكسوتُه أحسن عبارةٍ لئلَّا يُتعدَّى (٣) عليهم بسوء التعبير الموجِب للتنفير. ونحن معنا العصمة النافعة: أنَّ كلَّ أحدٍ غير المعصوم فمأخوذٌ من قوله ومتروك، وكلُّ سبيلٍ لم يوافق سبيله فمهجورٌ غير مسلوكٍ.

فأمَّا تضمُّن الشُّكر لنوع دعوى، فإن أريد بهذه الدعوى إضافته (٤) الفعلَ إلى نفسه، وأنَّه كان به، وغاب بذلك عن كونه بحول الله وقوَّته ومنَّته على عبده= فلعمر الله هذه علَّة مؤثرة ودعوى كاذبة.


(١) ع: «لم يتخلص عنها ويفرُغ منها».
(٢) ش: «إيجاد»، خطأ.
(٣) هذا مقتضى النقط في ل، ش. والسياق يحتمل: «نَتعدَّى».
(٤) ع: «إضافة العبد».

<<  <  ج: ص:  >  >>