للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحسن إليه بأن أوزعه شكرها، فشكرُه نعمةٌ منه (١) تحتاج إلى شكرٍ آخر، وهلمَّ جرًّا.

ومن تمام نعمته سبحانه وعظيم برِّه وكرمه وجوده: محبَّته له على هذا الشُّكر، ورضاه منه به، وثناؤه عليه به؛ ومنفعتُه وعائدته (٢) مختصَّةٌ بالعبد، لا تعود منفعته على الله. وهذا غاية الكرم الذي لا كرم فوقه، يُنعم عليك ثمَّ يُوزعك شكر النِّعمة ويرضى عنك بذلك، ثمَّ يعيد إليك منفعة شكرك ويجعله سببًا لك لاتصال نعمه والزِّيادة منها (٣).

وهذا الوجه وحده يكفي (٤)، وبه يتنبَّه اللبيب على ما بعده.

وأمَّا كون الشُّهود يسقط الشُّكر، فلعَمْر الله إنَّه إسقاطٌ لحقِّ المشكور بحظِّ المشاهد. نعم، بحظٍّ عظيمٍ متعلِّقٍ بالحقِّ عزَّ وجلَّ، لا حظٍّ سفليٍّ متعلِّقٍ بالكائنات، ولكنَّ صاحبه قد سار من حرمٍ إلى حرمٍ.

وكان يقع لي هذا القدر منذ زمانٍ، ولا أتجاسر على التصريح به، لأنَّ أصحابه يرون مَن ذاكرهم به بعين الفرق الأوَّل، فلا يُصغون إليهم البتَّة، لا سيَّما وقد ذاقوا حلاوته ولذَّته، ورأوا تخبيط أهل الفرق الأوَّل وتلوُّثَهم بنفوسهم وعوالمها، وانضاف إلى ذلك أن جعلوه غايةً، فتركَّب من هذه الأمور ما تركَّب. وإذا لاحت الحقائق فليقل القائل ما شاء.


(١) ع: «نعمةٌ من الله أنعم بها عليه».
(٢) ج، ن: «فائدته».
(٣) السياق في ع: «سببًا لتوالي نعمه واتصالها إليك والزيادة على ذلك منها».
(٤) زاد في ع: «اللبيب» هنا، وحذفه من الجملة الآتية.

<<  <  ج: ص:  >  >>