للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: الفرق من وجوهٍ كثيرةٍ جدًّا تفوت الحصر.

منها: أنَّ الملك محتاجٌ فقيرٌ إلى من أنعم عليه، لا يقوم ملكه إلَّا به، فهو محتاجٌ إلى معاوضته بتلك الكسوة ــ مثلًا ــ خدمةً له، وحفظًا له، وذبًّا عنه، وسعيًا في تحصيل مصالحه، فكسوته له من باب المعاوضة والمعاونة، فإذا أخذ في شكره فكأنَّه جعل ذلك ثمنًا لنعمته وليس بثمنٍ لها.

وأمَّا إنعام الربِّ على عبده فإحسانٌ إليه وتفضُّلٌ عليه، ومجرَّد امتنانٍ، لا لحاجةٍ منه إليه، ولا لمعاوضةٍ، ولا لاستعانةٍ به، ولا يتكثَّر (١) به من قلَّةٍ، ولا يتعزَّز به من ذلَّةٍ، ولا يتقوَّى به من ضعفٍ؛ سبحانه وبحمده.

وأمرُه له بالشُّكر أيضًا: إنعامٌ آخر عليه، وإحسانٌ منه إليه، إذ منفعة الشُّكر ترجع إلى العبد (٢) لا إلى الله، والعبد هو الذي ينتفع بشكره، كما قال تعالى: {شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ} [النمل: ٤٠]، فشكره (٣) إحسانٌ منه إلى نفسه، فلا يُذَمُّ ما أتى به من ذلك وإن كان لا يحسن مقابلة المنعم به (٤)، فإنَّه إنّما هو محسنٌ إلى نفسه بالشُّكر، لا أنّه مكافئٌ به لنعم الربِّ، فالربُّ لا يكافئ أحدٌ (٥) نعمه أبدًا، ولا أقلَّها (٦)؛ فالله أحسَنَ إلى عبده بنعمه،


(١) ع: «ليتكثَّر»، وكذا الأفعال الآتية.
(٢) زاد في ع: «دنيا وآخرةً».
(٣) ع: «فشكر العبد».
(٤) زاد في ع: «ولا يستطيع شكره».
(٥) ع: «فالرب تعالى لا يستطيع أحدٌ أن يكافئ».
(٦) زاد في ع: «ولا أدنى نعمةً من نعمه، فإنه تعالى هو المنعم المتفضل الخالق للشكر والشاكر وما يشكر عليه، فلا يستطيع أحدٌ أن يحصي ثناءً عليه، فإنه هو المحسن إلى عبده ... ».

<<  <  ج: ص:  >  >>