للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى الدينيِّ (١) على هذا الرسم والسَّير به إلى النفس. ولعلَّ العامل على الفناء بهذه المثابة، وهو ملبوس عليه؛ فالعارف يستقصي التفتيش عن كمائن النفس.

وأمَّا قولكم: كيف يشكر من لم يكن من لم يزل؟ فهذا بالشَّطح أليق منه بالمعرفة، فإنَّ من لم يزل إذا أَمَر من لم يكن بالشكر، ورضيه منه وأحبَّه، وأثنى عليه به، واستدعاه واقتضاه منه، وأوجب له به المزيد، وأضافه إليه، واشتقَّ له منه الاسم، وأوقع عليه به الحكم، وأخبر أنَّه غاية رضاه منه، وأمره مع ذلك أن يشهد أنَّ شكره به وبإذنه ومشيئته وتوفيقه= فهذا شكر من لم يكن لمن لم يزل، وهو محض العبوديَّة.

وأمَّا ضرب مثل كسوة السُّلطان لعبده وأخذِه في الشُّكر له مكافأةً، فهذا من أبطل الأمثلة عقلًا ونقلًا وفطرةً، وهو الحجاب الذي أوجب لمن قال: (إنَّ شكر المنعم لا يجب عقلًا) ما قال، حتَّى زعم أنَّ شكره قبيحٌ عقلًا ولولا الشرع لما حَسُن الإقدام عليه، وضَرَب هذا المثل الذي ضربتموه بعينه (٢).

وهذا من القياس الفاسد المتضمِّنِ قياسَ الخالق على المخلوق. وبمثله عُبدت الشمس والقمر والأوثان (٣)، إذ قال المشركون: جناب العظيم لا يُهجَم عليه بغير وسائل ووسائط. وسرت هاتان الرقيقتان فيمن فسد من أهل التعبُّد وأهل النظر والبحث، والمعصومُ من عصمه الله.


(١) ش: «الذي بني»، تحريف.
(٢) كأنه يشير إلى الآمدي. انظر: «الإحكام في أصول الأحكام» (١/ ٩٠).
(٣) وفي ذلك يقول ابن سيرين: «أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس». أخرجه ابن أبي شيبة (٣٦٩٥٦) والدارمي (١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>