للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرب الذي اختصُّوا به عن غيرهم باستغراقهم في أدب العبوديَّة وحقِّها وملاحظتهم لسيِّدهم، خوفًا أن يشير إليهم بأمرٍ فيجدَهم غافلين عن ملاحظته. وهذا أمرٌ يعرفه من شاهد أحوال الملوك وخواصَّهم.

فهذا هو شهود العبد للمنعم بوصف عبوديَّته له، واستغراقِه عن الإحساس بما حصل له منه من (١) القرب الذي تميَّز به عن غيره.

فصاحب هذا المشهد إذا أنعم عليه سيِّده في هذه الحال مع قيامه في مقام العبوديَّة= يوجب (٢) عليه أن يستصغر نفسه في حضرة سيِّده غاية الاستصغار، مع امتلاء قلبه من محبَّته، فأيُّ إحسانٍ ناله منه في هذه الحالة رآه عظيمًا. والواقع شاهدٌ بهذا في حال المحبِّ الكامل المحبَّة، المستغرقِ في مشاهدة محبوبه، إذا ناوله شيئًا يسيرًا فإنَّه يراه في ذلك المقام عظيمًا جدًّا، ولا يراه غيره كذلك.

القسم الثاني: يشهد الحقَّ شهود محبَّةٍ غالبةٍ قاهرةٍ له، مستغرقٌ في شهوده كذلك (٣)، فإنَّه يستحلي في هذه الحال الشدَّة منه، لأنَّ المحبَّ يستحلي فعل المحبوب به. وأقلُّ ما في هذا المشهد: أن يخفَّ عليه حملُ الشدائد، إن لم تسمح نفسه باستحلائها.

وفي هذا من الحكايات المعروفة عند الناس ما يغني عن ذكرها، كحال الذي كان يُضرَب بالسِّياط ولا يتحرَّك، حتَّى ضرب في الآخر سوطًا فصاح


(١) ل: «في».
(٢) كذا في النسخ، أي: فذلك يوجب عليه.
(٣) كذا في الأصل وغيره، وأخشى أن يكون صوابه: «لذلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>