للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صياحًا شديدًا، فقيل له في ذلك، فقال: العين التي كانت تنظر إليَّ وقت الضرب كانت تمنعني من الإحساس بالألم، فلمَّا فقدتُها وجدتُ ألم الضرب (١).

وهذه الحال عارضةٌ ليست بلازمة، فإنَّ الطبيعة تأبى استحلاء المُنافي كاستحلاء الموافق. نعم، قد يقوى سلطان المحبَّة حتَّى يستحلي المحبُّ ما يستمرُّه (٢) غيره، ويستخفَّ ما يستثقله غيره، وكذلك يأنس بما يستوحش منه الخليُّ، ويستوحش ممَّا يأنس به، ويستلين (٣) ما يستوعره. وقوَّة هذا وضعفه بحسب قهر سلطان المحبَّة وغلبته على قلب المحبِّ.

القسم الثالث: أن يشهده تفريدًا، فإنَّه لا يشهد معه نعمةً ولا شدَّة.

يقول: إنَّ شهود التفريد يُفني الرسم، وهذه حال صاحب الفناء المستغرق فيه، الذي لا يشهد نعمةً ولا بليَّةً، فإنَّه يغيب بمشهوده عن شهوده له، ويفنى به عنه، فكيف يشهد معه نعمةً أو بليَّةً؟ كما قال بعضهم في هذا: من كانت مواهبه لا تتعدَّى يديه فلا واهب ولا موهوب. وذلك مقام الجمع عندهم، وبعضهم يحرِّم العبارة عنه (٤).

وحقيقته: اصطلامٌ يرفع إحساس صاحبه برسمه، فضلًا عن رسم غيره، لاستغراقه في مشهوده وغيبته به عمّا سواه، وهذا هو مطلوب القوم.


(١) الحكاية بنحوها في «الفتوحات المكية» (٢/ ٥٢٤).
(٢) أي: يجده مُرًّا.
(٣) ع: «ويستأنس»، تصحيف.
(٤) انظر: «شرح التلمساني» (ص ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>