للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الكلام يحتاج إلى شرحٍ، وقد يسبق إلى الذِّهن خلافُه وأنَّ الكاذب متلوِّنٌ، لأنَّ الكذب ألوان فهو يتلوَّن بتلوُّنه، والصادق مستمرٌّ على حالةٍ واحدةٍ، فإنَّ الصِّدق واحدٌ في نفسه وصاحبُه لا يتلوَّن ولا يتغيَّر.

لكنَّ مراد أبي القاسم صحيحٌ غير هذا. فإنَّ العارضات (١) والواردات التي ترد على الصادق لا ترد على الكذَّاب المرائي، بل هو فارغٌ منها، فإنَّه لا يرد عليه من قِبَل الحقِّ مواردُ الصادق (٢)، ولا يعارضه الشيطان كما يعارض الصادق (٣)، فإنَّه لا أَرَبَ له في خربةٍ (٤) لا شيء فيها.

وهذه الواردات توجب تقلُّب الصادق (٥) بحسب اختلافها وتنوُّعها، فلا تراه إلَّا هاربًا من مكانٍ إلى مكانٍ، ومن عملٍ إلى عملٍ، ومن حالٍ إلى حالٍ، ومن سببٍ إلى سببٍ؛ لأنَّه يخاف في كلِّ حالٍ يطمئنُّ إليها ومكانٍ وسببٍ أن يقطعه عن مطلوبه، فهو لا يساكن حالةً ولا شيئًا دون مطلوبه، فهو كالجوَّال في الآفاق في طلب الغنى الذي يفوق به الأغنياء، فالأحوال والأسباب تتقلَّب به، وتقيمه وتقعده، وتحرِّكه وتسكِّنه، حتَّى يجد فيها ما يعينه على مطلبه (٦). وهذا عزيزٌ فيها، فقلبه في تقلُّبٍ وحركةٍ شديدةٍ بحسب


(١) ع: «المعارضات».
(٢) ع: «موارد الصادقين على الكاذبين المرائين». ومقتضى ذلك حذف «عليه» من «فإنه لا يرد عليه».
(٣) ع: «ولا يعارضهم ... الصادقين».
(٤) ش: «خزانة»، تصحيف.
(٥) ش: «تقلُّب قلب الصادق».
(٦) ع: «مطلوبه»، وكذا في السطر التالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>