للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتمنِّي: سؤال ودعاء، فتمنَّوا الموت وادعُوا به على المبطل الكاذب المفتري.

وعلى هذا فليس المراد: تمنَّوه لأنفسكم خاصَّةً، كما قاله أصحاب القولين الأوَّلين. بل معناه: ادعُوا بالموت وتمنَّوه للمبطل. وهذا أبلغ في إقامة الحجَّة وبرهان الصِّدق، وأسلَمُ من أن يعارضوا (١) بقولهم: فتمنَّوه أنتم أيضًا إن كنتم محقِّين أنكم (٢) أهلُ الجنَّة، لتَقْدَموا على ثواب الله وكرامته. والقوم كانوا أحرص شيءٍ على معارضته، فلو فهموا منه ما ذكره أولئك لعارضوه بمثله.

وأيضًا: فإنَّا نشاهد كثيرًا منهم يتمنَّى الموت لضرِّه وبلائه وشدَّة حاله، ويدعو به. وهذا بخلاف تمنِّيه والدُّعاء به على الفرقة الكاذبة، فإنَّ هذا لا يكون أبدًا، ولا وقع من أحدٍ منهم في حياة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - البتَّة، وذلك لعلمهم بصحَّة نبوَّته وصدقه، وكفرهم حسدًا وبغيًا، فلا يتمنَّوه (٣) أبدًا لعلمهم أنَّهم هم الكاذبون. وهذا القول هو الذي نختاره، والله أعلم بما أراد من كتابه.

وقال إبراهيم الخوَّاص: الصَّادق لا تراه إلَّا في فرضٍ يؤدِّيه، أو فضلٍ يعمل فيه (٤).


(١) ش، ج، ن: «يعارضوه».
(٢) «أنكم» من ع، وقد استدركت بهامش الأصل بخط مغاير. والعبارة لها وجه بدونها: «إن كنتم محقين أهلَ الجنة» أي: إن كنتم أهلَ الجنة حقًّا، فـ «محقين» حال مقدَّم.
(٣) كذا في النسخ، والوجه: «يتمنونه».
(٤) أسنده القشيري (ص ٤٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>