للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم: الصادق: الذي يتهيَّأ له أن يموت ولا يستحيي مِن سرِّه لو كشف، قال تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٩٤] (١).

قلت: هذه الآية فيها للناس كلامٌ معروفٌ.

قالوا: إنَّها معجزة للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عجَّز بها اليهود، ودعاهم إلى تمنِّي الموت وأخبر أنَّهم لا يتمنَّونه أبدًا. وهذا عَلَم من أعلام نبوَّته، إذ لا يمكن الاطِّلاع على بواطنهم إلَّا بأخبار الغيب، ولم ينطق الله ألسنتهم بتمنِّيه أبدًا.

وقالت طائفةٌ: لمَّا ادَّعت اليهود أنَّ لهم الدار الآخرة خالصةً عند الله من دون الناس، وأنَّهم أحبَّاؤه وأهل كرامته= أكذبهم الله في دعواهم، وقال: إن كنتم صادقين فتمنَّوا الموت لتصلوا إلى الجنَّة ودار النعيم، فإنَّ الحبيب يتمنَّى لقاء حبيبه، ثمَّ أخبر سبحانه أنَّهم لا يتمنَّونه بسبب ما قدَّمت أيديهم من الأوزار والذُّنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه، فقال: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: ٩٥].

وقالت طائفةٌ منهم محمَّد بن إسحاق (٢) وغيره: هذه من جنس آية المباهلة، وأنَّهم لمَّا عاندوا، ودفعوا الهدى عيانًا، وكتموا الحقَّ= دعاهم إلى أمرٍ يحكم بينهم وبينه، وهو أن يدعوا بالموت على الكاذب المفتري؛


(١) ذكره القشيري عن أبي سعيد القرشي الرازي (ت ٣٨٢).
(٢) كما في «سيرة ابن هشام» (١/ ٥٤٢). وقد أسنده الطبري (٢/ ٢٦٩، ٢٧٣) وابن أبي حاتم (١/ ١٧٧) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>