للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزيِّه وقيده وإشارته ــ ولو إلى أفضل منه ــ استهجن ذلك، ورآه نقصًا، وسقوطًا من أعين النَّاس، وانحطاطًا لرتبته عندهم (١).

وهذا شأن الكذَّاب (٢) العامل على عمارة نفسه ومرتبته (٣). ولو كان عاملًا على مراد الله منه، وعلى الصِّدق مع الله= لأثقلته تلك القيود، وحبسته تلك الرُّسوم، ولرأى الوقوف عندها ومعها عين الانقطاع عن الله لا إليه (٤).

فكلام أبي القاسم الجنيد - رحمه الله - حقٌّ، كلامُ راسخٍ في الصِّدق، عالمٍ بتفاصيله وآفاته ومواضع اشتباهه بالكذب.

وأيضًا: فحمل الصِّدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلَّا أصحاب العزائم، فهم يتقلَّبون تحته تقلُّب الحامل بحمله الثقيل. والرِّياء والكذب خفيفٌ كالرِّيشة لا يجد له صاحبه (٥) ثقلًا البتَّة، فهو حاملٌ له في أيِّ موضعٍ اتَّفق، بلا تعبٍ ولا كلفةٍ ولا مشقَّة، ولا يتقلَّب تحت حمله ولا يجد ثقله.

وقال بعضهم: لم يَشَمَّ روائح الصِّدق عبدٌ داهن نفسه أو غيره (٦).


(١) زاد في ع: «وهو قد انحطَّ وسقط من عين الله. وقد يحسُّ أحدهم ذلك من نفسه وحاله، ولا تدعه رسومه وأوضاعه وزيُّه وقيوده أن يسعى في ترميم ذلك وإصلاحه».
(٢) زاد في ع: «المرائي الذي يُبدي للناس خلاف ما يعلمه الله من باطنه».
(٣) زاد في ع: «وهذا هو النفاق بعينه».
(٤) زاد في ع: «ولما بالى أي ثوب لبس، ولا أي عملٍ عمل إذا كان على مراد الله من العبد».
(٥) كتب بعضهم في الأصل هنا: «له» فوق السطر بعد أن ضرب على الأولى، وقد كتبت بحيث إنها مع نقط الثاء بعدها تشبه «كربًا»، ولعله منشأ ما في ج، ن: «كربًا وثقلًا».
(٦) أسنده السلمي في «آداب الصحبة» (٨٣) ــ وعنه البيهقي في «الشعب» (٥٣٩١) والقشيري (ص ٤٨٣) ــ عن سهل بن عبد الله التستري.

<<  <  ج: ص:  >  >>