للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقطَّاع طريق القلب إلى الله. وأضرُّ شيءٍ على الصادق صحبتهم، بل لا تصبر نفسه على ذلك أبدًا، إلَّا جمعَ ضرورةٍ، وتكون صحبتهم له (١) بقالبه وشبحه، دون قلبه وروحه. فإنَّ هذا لمَّا استحكمت فيه الغفلةُ كما استحكم الصِّدق في الصّادق= أحسَّت روحه بالأجنبيَّة التي بينه وبينه والمضادَّة، فاشتدَّت النُّفرة (٢). وبحسب هذه الأجنبيَّة وإحساس الصادق بها تكون نفرته (٣) عن الأضداد.

فإنَّ هذا الضدَّ إن نطق أحسَّ قلبُ الصادق أنَّه نطق بلسان الغفلة والرِّياء والكبر وطلب الظهور (٤)، فنفر قلبُه منه. وإن صمت أحسَّ قلبُه أنَّه صمت على غير حضورٍ وجمعيَّةٍ على الله، وإقبالٍ بالقلب عليه، وعكوف السرِّ، فيفر منه أيضًا. وقلب الصّادق قويُّ الإحساس، فيجد الغيريَّة والأجنبيَّة من الضدِّ، ويَشَمُّ القلبُ القلبَ كما يشمُّ الرائحة الخبيثة، فينزوي وجهه لذلك، ويعتريه عُبوسٌ، فلا يأنس به إلَّا تكلُّفًا، ولا يصاحبه إلَّا ضرورةً، فيأخذ من صحبته قدر الحاجة، كصحبة من يشتري منه، أو يحتاج إليه في مصالحه (٥).

قوله: (ولا يقعد عن الجدِّ بحالٍ) يعني: أنَّه لمَّا كان في طلبه صادقًا مستجمع القوة، لم يَقعُد به عزمه عن الجدِّ في جميع أحواله، فلا تراه إلَّا جادًّا، وأمره كلُّه جدٌّ.


(١) زاد في ع: «في تلك الحال».
(٢) زاد في ع: «وقوي الهَرَب».
(٣) زاد في ع: «وهربه».
(٤) سقط «وطلب الظهور» من ع، وزاد مكانه: «ولو كان ذاكرًا أو قارئًا أو مصلِّيًا أو حاجًّا أو غير ذلك».
(٥) زاد في ع: «كالزوجة والخادم ونحوه».

<<  <  ج: ص:  >  >>