للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشرع والجزاء. ونسبتها إلى الربِّ تعالى قضاءً وقدرًا، وخلقًا للأسباب التي منها إرادتنا وقدرتنا، فلم يجبرنا عليها ولم يكرهنا، بل خلقها بما أعطانا من القدرة والإرادة اللَّتين هما من أسباب الفعل.

فهذا المشهد يحقِّق عبوديّة: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، والمشهد الأوَّل يحقِّق عبوديّة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، و (١) يحقِّقان مشهدي: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٢٩ - ٣٠]، وقولِه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩].

وما جاء به العلم لا يناقض ما جاءت به المعرفة، بل المعرفة روح العلم ولبُّه وكماله، وحقيقتها: العلم الذي أثمر لصاحبه مقصوده. ولسان الأبرار لا يخالف لسان المقرَّبين، إنَّما يخالف لسان الفجَّار. نعم، لسان المقرَّبين أعلى منه وأرفع على مقتضى أعمالهم وأحوالهم، فنسبته إليه كنسبة مقام التوكُّل إلى الرِّضا، والرِّضا إلى الحمد والشُّكر.

فإن قيل: كلامكم هذا بلسان العلم. ولو تكلَّمتم بلسان الحال لعلمتم صحَّة ما ذكرناه، فإنَّ صاحب الحال صاحبُ شهودٍ، وصاحبَ العلم صاحبُ غيبةٍ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. ونحن نشير إليكم إشارةً حاليَّةً علميَّةً، تنزُّلًا من الحال إلى العلم، فنقول (٢): الحال تأثُّرٌ عن نورٍ من أنوار الأحديَّة والفردانيَّة، تستر العبد عن نفسه، وتبدي ظهور مشهوده. ولا ريب أنَّه في هذه الحال قد يعتقد أنَّ الشاهد هو المشهود، حتَّى قال أبو يزيد في مثل هذه


(١) ع: «وهما».
(٢) انظر: «شرح التلمساني» (ص ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>