للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقدر، والخلق والأمر.

ثم لو صحَّ ما ذكروه لكان الكافر والعاصي والفاسق أيضًا لا ذنب له ولا معصية في حقيقة الأمر (١)، وأنَّه متى شهد نفسه عاصيًا مخالفًا مذنبًا= كان عاصيًا بهذا الشُّهود، لأنَّ الفاعل فيه غيره. وهذا منافٍ للعبوديَّة أشدَّ منافاةٍ، وهو من سير القوم إلى شهود الحقيقة الكونيَّة واعتقاد أنَّه غاية السالكين.

فإن قيل (٢): الشيخ - رحمه الله - هاهنا ما نطق بلسان الأبرار، بل بلسان المقرَّبين. ولا ريب أنَّ حسنات الأبرار سيِّئات المقرَّبين، ولسنا نريد أنّ شهود فعله ذنبٌ في الشرع، بل يكون حسنةً كما ذكرتم، لكن هو حسنةٌ للبرِّ، ذنبٌ للمقرَّب، فإنَّ نصيب البرِّ من السيِّئة ما جاء به العلم، ونصيبَ المقرَّب ما جاءت به المعرفة التي هي أخصُّ من العلم.

قيل: هذا أيضًا باطلٌ قطعًا، بل المعرفة الصحيحة مطابقةٌ للحقِّ (٣) في نفسه شرعًا وقدرًا، وما خالف ذلك فمعرفةٌ فاسدةٌ.

والحقُّ في نفس الأمر: نسبة الأفعال إلى الفاعلين قيامًا ومباشرةً وصدورًا منهم. وذلك محلُّ الأمر والنهي، والثواب والعقاب. والقدح في ذلك مستلزمٌ لإبطال الشرع والجزاء، فإنَّ الشرع إنَّما أمر بأفعالها (٤) ونهى عنها، والجزاء إنَّما ترتَّب عليها، فشهود أفعالها كذلك من تمام الإيمان


(١) «ثم لو صحّ ... حقيقة الأمر» ساقط من ع لانتقال النظر.
(٢) كما في «شرح التلمساني» (ص ٢٤٥ - ٢٤٦) بنحوه.
(٣) في النسخ عدا ج، ن: «الحق».
(٤) كذا في عامَّة النسخ هنا وفي السطر التالي، ولعل الضمير راجع إلى النفس أو نفوس الفاعلين. والرسم في ع يحتمل: «أفعالنا».

<<  <  ج: ص:  >  >>