للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنًى صحيحٌ، وما أظنُّ الشيخ قصده.

وإنَّما أظنُّه قصد معنًى آخر، وهو: أنَّه متى تيقَّن العبد أنَّ وجوده ثوبٌ معارٌ ليس منه، فإنه ليس به ولا له، وإنَّما إيجاده وصفاته وإرادته وقدرته وأعماله عاريةٌ من الفعَّال وحده، والعبد ليس له من ذاته إلَّا العدم، فوجوده وحياته ثوبٌ أُعيرَه= فمتى نظر بعين الحقيقة إلى كسوته رأى أحسن أعماله ذنوبًا في هذا المقام، وأصدق أحواله زورًا، وأصفى قصوده قعودًا. فلا يرى لنفسه عملًا، ولا حالًا ولا قصدًا، فإنّه ليس له من نفسه إلَّا الجهل والظُّلم، فكلُّ ما من نفسه فهو ذنب وزور وقعود، وما كان مرضيًّا فهو بالله ومن الله ولله، لا بالنفس ولا منها ولا لها، فإنَّ العبد إذا رأى أنَّه قد فعل الطاعة كان رؤيته لذلك ذنبًا، فإنَّه نسب الفعل إليه، والله في الحقيقة هو المتفرِّد بالفعل.

فعلى هذا لا يتخلَّص العبد من الذنب قطُّ، فإنَّه إذا خلَّص فعله من الرِّياء (١) ومن كلِّ شيءٍ يفسده، اقترن به آخَرُ لا يمكنه الخلاص منه، وهو اعتقاده أنَّه هو الفاعل (٢).

والصواب: أنَّ هذا ليس بذنبٍ، ولا هو مقدورٌ للعبد ولا مأمور. والكمال في حقِّه: أن يشهد الأمر كما هو عليه، وأنَّه فاعلٌ حقيقةً، كما أضاف الله إليه الفعل في كتابه كلِّه، والله هو الذي جعله فاعلًا. فإذا شهد نفسه فاعلًا حقيقةً، وشهد فاعليَّته بالله ومن الله، لا من نفسه= فلا ذنب في هذا الشُّهود، ولا زور بحمد الله. وهو نظر بمجموع عينيه إلى السبب والمسبَّب، والشرع


(١) ل، ش: «ذنب»، خطأ.
(٢) انظر: «شرح التلمساني» (ص ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>