للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا ذلك. وما عدا هذا فقُوت النفس ومجرَّدُ حظِّها (١)، وإن كان فيه من المجاهدات والرِّياضات والخلوات ما كان، فإنَّ الله سبحانه أبى أن يقبل من عبده عملًا أو يرضى به حتَّى يكون على متابعة رسوله وخالصًا لوجهه.

ومن هاهنا يفارق الصادق أكثر السالكين، بل يستوحش في طريقه (٢)، فإنَّ أكثرهم سائرون على أذواق نفوسهم (٣)، ومتابعة رسوم شيوخهم. والصَّادق في وادٍ، وهؤلاء في واد.

وقوله: (فيكون العبد راضيًا مرضيًّا). لأنَّه قد رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمَّدٍ رسولًا، فرضي الله به عبدًا، فأعماله إذًا مرضيَّةٌ لله، وأحواله صادقةٌ مع الله، وقصوده مستقيمةٌ على متابعة أوامر الله.

قوله: (وإن كان العبد كُسي ثوبًا معارًا، فأحسن أعماله ذنبٌ، وأصدق أحواله زورٌ، وأصفى قصوده قعود). هذا يراد به أمران:

أحدهما: أن يُكسى حلية الصادقين، ويلبس ثيابهم على غير قلوبهم وأرواحهم، فثوب الصِّدق عاريةٌ له لا مِلْك، فهو كالمتشبِّع بما لم يعط، فإنَّه كلابس ثوبي زورٍ. فهذا أحسن أعماله ذنبٌ يعاقَب عليه، كما يعاقَب المقتول في الجهاد، والقارئُ القرآنِ المتنسِّك، والمتصدِّقُ، ويكونون أوَّل من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة لمَّا لبسوا ثياب الصادقين على قلوب المرائين (٤). فهذا


(١) زاد في ع: «واتباعُ هواها».
(٢) زاد في ع: «وذلك لقلة سالكيها».
(٣) ع: «سائرون على طرق أذواقهم، وتجريد أنفاسهم لنفوسهم».
(٤) يشير إلى حديث أبي هريرة عند مسلم (١٩٠٥) وغيره، وقد سبق تخريجه مفصَّلًا (ص ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>