للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضع الثامن: من ذكر المنعَم عليهم، وتمييزهم عن طائفتي الغضب والضّلال. فانقسم النّاس بحسب معرفة الحقِّ والعمل به إلى هذه الأقسام الثّلاثة، لأنّ العبد إمّا أن يكون عالمًا بالحقِّ، أو جاهلًا به؛ والعالمُ بالحقِّ إمّا عاملٌ بموجبه أو مخالفٌ (١) له. فهذه أقسام المكلَّفين لا يخرجون عنها البتّة. فالعالِمُ بالحقِّ العاملُ به هو المنعَم عليه. وهو الذي زكَّى نفسه بالعلم النّافع والعمل الصّالح، وهو المفلح {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: ٩]. والعالِمُ به المتَّبِع هواه هو المغضوب عليه. والجاهل بالحقِّ هو الضّالُّ.

والمغضوب عليه ضالٌّ عن هداية العمل، والضَّالُّ مغضوبٌ عليه لضلاله عن العلم الموجِب للعمل؛ فكلٌّ منهما ضالٌّ مغضوبٌ عليه، ولكنَّ تاركَ العمل بالحقِّ بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحقُّ به. ومن هاهنا كان اليهود أحقَّ به، وهو متغلِّظٌ في حقِّهم، كقوله تعالى في حقِّهم: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: ٩٠]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} (٢) [المائدة: ٦٠].

والجاهلُ بالحقِّ أحقُّ باسم الضّلال. ومن هاهنا وُصِفت النّصارى به في قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)} [المائدة: ٧٧].


(١) ع: "إما أن يكون عاملًا بموجبه أو مخالفًا".
(٢) في ع زيادة: " {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} الآية".

<<  <  ج: ص:  >  >>