- رضي الله عنهم -، كان إذا أصبح قال: اللهمَّ إنّه لا مالَ لي فأتصدَّقَ به على النّاس، وقد تصدّقتُ عليهم بعِرضي، فمن شَتَمني أو قَذَفني فهو في حِلٍّ. فقال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَن يستطيع منكم أن يكون كأبي ضَمْضَمٍ؟»(١).
وفي هذا الجود من سلامة الصّدر، وراحة القلب، والتّخلُّص من معاداة الخلق= ما فيه.
الثّامنة: الجود بالصّبر والاحتمالِ والإغضاءِ. وهذه مرتبةٌ شريفةٌ من مراتبه، وهي أنفعُ لصاحبها من الجود بالمال، وأعزُّ له وأنصرُ، وأملكُ لنفسه، وأشرفُ لها. ولا يقدِر عليها إلّا النُّفوس الكبار.
(١) أخرج أبو داود (٤٨٨٧) من طريق حماد عن ثابت عن عبد الرحمن بن عجلان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم؟» قالوا: ومَن أبو ضمضم؟ قال: «رجل فيمن كان من قبلكم ... » الحديث، وهو مرسل. قال أبو داود: رواه هاشم بن القاسم قال عن محمد بن عبد الله العمي عن ثابت قال: حدثنا أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه. قال أبو داود: وحديث حماد أصحّ. وأخرجه أبو داود (٤٨٨٦) نحوه من طريق محمد بن ثور عن معمر عن قتادة موقوفًا. وحديث أنس الذي أشار إليه أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ١٣٧) والبزّار (٦٨٩٢) وفيه أيضًا: «كان رجلًا قبلنا». ومحمد بن عبد الله العمّي ليّن الحديث. ووهم ابن عبد البر فذكر أبا ضمضم في الصحابة وقال: روى عنه الحسن وقتادة أنه قال: «اللهم إني قد تصدَّقتُ بعرضي على عبادك». قال: وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: إنَّ رجلًا من المسلمين قال. فذكر مثله. قال ابن عبد البر: أظنُّه أبا ضمضم المذكور. («الاستيعاب» ٤/ ١٦٩٤) .. وردّ عليه ابن فتحون وابن حجر في «الإصابة» (١٢/ ٣٧٩ - ٣٨١) وبيَّنا خطأه فيما توهَّمه من أن الصحابي في حديث أبي هريرة هو أبو ضمضم، بل هو عُلبة بن زيد الأنصاري الذي رُوي عنه نحو هذه القصة. انظر: «الإصابة» (٧/ ٢٤٦ - ٢٤٨).