للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن صعُبَ عليه الجود بماله فعليه بهذا الجود، فإنّه يَجتني ثمرةَ عواقبه الحميدة في الدُّنيا قبل الآخرة. وهذا جود الفُتُوَّة، قال تعالى: {وَاَلْجُرُوحُ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥]. وفي هذا الجود قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: ٤٠]، فذكر المقاماتِ الثّلاثةَ في هذه الآية: مقام العدل، وأذِن فيه. ومقام الفضل، وندَبَ إليه. ومقام الظُّلم، وحرّمه.

التّاسعة: الجود بالخُلُق والبِشْر والبَسْطة، وهو فوق الجود بالصّبر والاحتمالِ والعفوِ، وهو الذي بلغ بصاحبه درجةَ الصّائم القائم، وهو أثقلُ ما يوضع في الميزان. قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَحْقِرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تَلقى أخاك ووجهُك منبسطٌ إليه» (١). وفي هذا الجود من المنافع والمسارِّ وأنواعِ المصالح ما فيه، والعبد لا يُمكِنه أن يسعَ الناسَ بماله، ويُمكِنُه أن يَسَعَهم بخُلقه (٢) واحتماله.

العاشرة: الجود بتَرْفيهِ (٣) ما في أيدي النّاس عليهم، فلا يلتفت إليه، ولا يَستشرِف له بقلبه، ولا يتعرّض له بحاله ولا لسانه. وهذا هو الذي قال


(١) أخرجه مسلم (٢٦٢٦) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -. وفيه: «ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق». وأخرجه بلفظ المؤلف: البخاري في «الأدب المفرد» (١١٨٢)، والنسائي في «الكبرى» (٩٦١١)، والطبراني في «الكبير» (٦٣٨٣) من حديث جابر بن سليم أو سليم بن جابر، وإسناده صحيح.
(٢) في طبعة الفقي: «والعبد لا يمكنه أن يسعهم بخلقه». وفيه سقط أفسد المعنى.
(٣) كذا في النسخ، وغيَّره في المطبوع إلى «بتركه». والترفيه هنا بمعنى جَعْل الناس في رفاهية بما عندهم، والإبقاء عليهم، وعدم التعرُّض لهم، كما يشرحه المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>