للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن المبارك (١): إنّه أفضلُ من جُود البذل.

فلسان حال القدر يقول للفقير الجواد: إن لم أُعطِك مالًا تَجود به على النّاس، فجُدْ عليهم بأموالهم؛ تُزاحِمْهم (٢) في الجود، وتنفرِدْ عنهم بالرّاحة.

ولكلِّ مرتبةٍ من مراتب الجود مَزيَّةٌ وتأثيرٌ خاصٌّ في القلب والحال، والله سبحانه قد ضَمِنَ المزيدَ للجواد، والإتلافَ على الممسِك (٣). والله المستعان.

فصل

قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (٤): (الإيثار تخصيصٌ واختيارٌ. والأَثَرة تَحسُن طَوعًا، وتصحُّ كرهًا).

فرّق الشّيخ بين الإيثار والأثرة، وجعل الإيثار اختيارًا، والأثرة منقسمةً إلى اختياريّةٍ واضطراريّةٍ، وبالفرق بينهما يُعلَم معنى كلامه، فإنّ الإيثار هو البذلُ، وتخصيصُ مَن تُؤثِره على نفسك، وهذا لا يكون إلّا اختيارًا. وأمّا الأَثَرة فهي استئثار صاحب الشّيء به عليك، وحَوْزُه لنفسه دونك. فهذه لا يُحمَد عليها المستأثر عليه إلّا إذا كانت طوعًا، مثل أن يقدر على منازعته


(١) تقدم عند المؤلف (ص ٣).
(٢) كذا في الأصول، والمعنى مستقيم. وزيدت قبلها في المطبوع من النسخ المتأخرة: «بزهدك في أموالهم وما في أيديهم، تفضل عليهم» ولا حاجة إليها.
(٣) إشارة إلى حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (١٤٤٢) ومسلم (١٠١٠) مرفوعًا بلفظ: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللّهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللّهم أعطِ ممسكًا تلَفًا».
(٤) (ص ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>