للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكسوهم وتَعْرى، وتَسقيهم وتَظْمأ، بحيث لا يؤدِّي ذلك إلى ارتكاب ثلاث (١) لا يجوز في الدِّين، مثل (٢) أن تُؤثِرهم بمالك وتقعد كَلًّا مضطرًّا، مستشرفًا للنّاس أو سائلًا، وكذلك إيثارهم بكلِّ ما يَخْرِم على المؤثر دينَه، فإنّه سَفَهٌ وعَجْزٌ يُذَمُّ المؤثِرُ به عند الله وعند النّاس.

وأمّا قوله: (ولا يقطع عليك طريقًا)، أي لا يقطع عليك طريق الطّلب والمسيرِ إلى الله تعالى، مثل أن تُؤثِر جليسَك على ذكرِك بتوجُّهِك وجمعيّتك على الله، فتكون قد آثرتَه على الله، وآثرتَ بنصيبك من الله مَن لا يستحقُّ الإيثار، فيكون مَثَلُك كمَثَلِ مسافرٍ سائرٍ على الطّريق لقيه رجلٌ فاستوقفه، وأخذ يُحدِّثه ويُلهِيه حتّى فاتَه الرِّفاق. وهذا حال أكثر الخلق مع الصّادق السّائر إلى الله تعالى، فإيثارهم عليه عَيْنُ الغَبْن. وما أكثرَ المؤثرين على الله تعالى غيرَه، وما أقلَّ المؤثرين الله على غيره (٣)!

وكذلك الإيثار بما يُفْسِد على المؤثِرِ وقتَه قبيحٌ أيضًا، مثل (٤) أن يُؤثِر بقُوتِه ويتفرَّق قلبه في طلب خلفه، أو يؤثر بأمرٍ قد جمع قلبَه وهمَّه (٥) على الله، فيتفرَّق قلبه عليه بعد جمعيّته ويتشتَّت خاطرُه. فهذا أيضًا إيثارٌ غير محمودٍ.


(١) كذا في النسخ وهو صواب، والمراد: خرم الدين وقطع الطريق وإفساد الوقت، الأمور الثلاثة التي ذكرها صاحب «المنازل». وغيَّرها في المطبوع إلى «إتلاف».
(٢) ل: «ومثل».
(٣) ش، د: «المؤثرين على الله غيره». وكذا كان في ل، ثم أصلحه إلى ما أثبتناه، وبه يستقيم المعنى.
(٤) «مثل» ساقطة من د.
(٥) ل: «وهمته».

<<  <  ج: ص:  >  >>