للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ومِلاك ذلك أمران (١): الزُّهد في الحياة والثّناء. فما ضعُفَ من ضعُفَ وتأخَّر من تأخَّر إلّا بحبِّه للحياة والبقاء، وثناءِ الخلق عليه، ونفرتِه من ذمِّهم له. فإذا زَهِد في هذين الشّيئين تأخّرتْ عنه العوارضُ كلُّها، وانغمس حينئذٍ في العساكر.

ومِلاكُ هذين الشّيئين بشيئين: صحّة اليقين، وقوّة المحبّة.

ومِلاكُ هذين بشيئين أيضًا: بصدق اللّجأ والطّلب، والتّصدِّي للأسباب الموصلة إليهما.

فإلى هاهنا تنتهي معرفة الخلق وقدرتهم، والتّوفيق بعدُ بيدِ مَن أزِمّةُ الأمور كلِّها بيدَيْه، {وَمَا يَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: ٣٠ - ٣١].

فصل

قال (٢): (الدّرجة الثّالثة: إيثارُ إيثارِ الله، فإنّ الخوض في الإيثار دعوى في المُلْك، ثمّ تَرْك شهودِ رؤيتك إيثارَ الله، ثمّ غَيْبتك عن التّرك).

معنى إيثار إيثار الله: أن تَنسُب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنّه هو الذي تفرَّد بالإيثار لا أنت، فكأنّك سلَّمتَ الإيثار إليه، فإذا آثرتَ غيرَك بشيءٍ فإنّ الذي آثره هو الحقُّ لا أنت، فهو المؤثِر حقيقةً، إذ هو المعطي حقيقةً.

ثمّ بيّن (٣) الشّيخ - رحمه الله - السّببَ الذي يصحُّ به نسبةُ الإيثار إلى الله، وتركُ


(١) ل: «بأمرين».
(٢) «منازل السائرين» (ص ٤٥).
(٣) ش، د: «يبين».

<<  <  ج: ص:  >  >>