للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسبتِه إلى نفسه، فقال: (فإنّ الخوضَ في الإيثار دعوى في المُلك). فإذا ادّعى العبد أنّه مُؤثِرٌ فقد ادّعى مُلْكَ ما آثر به غيره، والملك في الحقيقة إنّما هو لله الذي له كلُّ شيءٍ، فإذا خرج العبدُ عن دعوى الملك فقد آثر إيثارَ الله ــ وهو إعطاؤه ــ على إيثارِ نفسه، وشهد أنّ الله وحده هو المُؤثِر بملكه، وأمّا من لا مُلكَ له فأيُّ إيثارٍ له؟

وقوله: (ثمّ تَرْك شهودِ رؤيتك إيثار الله)، يعني أنّك إذا آثرتَ إيثارَ الله بتسليمك معنى الإيثار إليه، بَقِيَتْ عليك من نفسك بقيّةٌ أخرى لا بدّ من الخروج عنها، وهو أن تُعرِض عن شهودك ورؤيتِك أنّك آثرتَ الحقَّ بإيثارك، وأنّك نسبتَ الإيثار إليه لا إليك، فإنّ في شهودِك ذلك ورؤيتِك له دعوى أخرى هي أعظمُ من دعوى المُلْك، وهي أنّك ادّعيتَ أنّ لك شيئًا آثرتَ به الله وقدّمتَه على نفسك فيه، بعدَ أن كان لك (١). وهذه الدّعوى أصعبُ من الأولى، فإنّها تتضمَّنُ ما تضمَّنَتْه الأولى من الملك، وتزيد عليها برؤية الإيثار به، فالأوّل مُدّعٍ للملك مؤثرٌ به، وهذا مُدّعٍ للملك ومُدّعٍ للإيثار به (٢). فإذنْ يجب عليه تركُ شهود رؤيته لهذا الإيثار، فلا يعتقد أنّه آثرَ الله بهذا الإيثار، بل الله هو الذي استأثر به دونك، فإنّ الأَثَرة واجبةٌ له بإيجابه (٣) إيّاها لنفسه، لا بإيجاب العبد إيّاها له.

قوله: (ثمّ غيبتك عن التّرك)، يريد: أنّك إذا تركتَ هذا الشُّهود وهذه


(١) «لك» من ل فقط.
(٢) «به» من ل.
(٣) د: «بإيجابها». وكذا في ش وصححت في هامشها.

<<  <  ج: ص:  >  >>