للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] كما يقال: طريقك عليّ، وممرُّك عليّ، لمن تريد إعلامه بأنّه غير فائتٍ لك (١)، ولا معجزٍ. والسِّياق يأبى هذا، ولا يناسبه لمن تأمّله، فإنّه قال تعالى مجيبًا لإبليس لعنه الله [الذي قال] (٢): {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ} [ص: ٨٢ - ٨٣] فإنّه لا سبيل لي إلى إغوائهم، ولا طريق لي عليهم. فقرَّر الله تعالى ذلك أتمَّ التّقرير، وأخبر أنّ الإخلاص صراطٌ عليه مستقيمٌ، فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصِّراط، لأنّه صراطٌ عليَّ. ولا سبيل لإبليس إلى أهل هذا الصِّراط، فإنّه محروسٌ محفوظٌ بالله، فلا يصل عدوُّ الله إلى أهله.

فليتأمّل العارف هذا الموضع حقّ التّأمُّل، ولينظر إلى هذا المعنى، ويوازن بينه وبين القولين الآخرين: أيُّهما أليق بالآيتين، وأقرب إلى مقصود القرآن وأقوال السّلف؟

وأمّا تشبيه الكسائيِّ له بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] فلا يخفى الفرق بينهما سياقًا ودلالةً، فتأمّله. ولا يقال في التّهديد: هذا طريقٌ (٣) مستقيمٌ عليّ، لمن لا يسلكه، وليست سبيل المهدَّد مستقيمةً، فهو غير مهدَّدٍ بصراط الله المستقيم، وسبيلُه التي هو عليها ليست مستقيمةً على الله تعالى. فلا يستقيم هذا القول البتّة.

وأمّا قول من فسَّره بالوجوب، أي عليّ بيانُ استقامته والدِّلالة عليه؛


(١) "لك" ساقط من ش.
(٢) من طبعة الفقي.
(٣) م، ش: "صراط".

<<  <  ج: ص:  >  >>