للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: فما الفائدة في ذكر "على" في ذلك أيضًا؟ وكيف يكون المؤمن مستعليًا على الحقِّ وعلى الهدى؟

قلت: لما فيه من استعلائه وعلوِّه بالحقِّ والهدى، مع ثباته عليه، واستقامته عليه. فكان في الإتيان (١) بأداة "على" ما يدلُّ على علوِّه وثباته واستقامته؛ فإنَّ طريقَ الحقِّ تأخذ عُلْوًا صاعدةً (٢) إلى العليِّ الكبير، وطريقَ الضلال تأخذ سُفْلًا هاويةً في أسفل سافلين (٣). وهذا بخلاف الضَّلال والرّيب، فإنّه يؤتى فيه بأداة "في" الدَّالَّة على انغماس صاحبه فيه، وانقماعه وتدسُّسه فيه، كقوله تعالى: {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: ٤٥]، وقوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: ٣٩]، وقوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: ٥٤]، {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود: ١١٠]. وتأمّل قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: ٢٤] (٤).

وفي قوله تعالى: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: ٤١] قولٌ ثالثٌ ــ وهو قول الكسائيِّ (٥) ــ إنّه على التّهديد والوعيد، نظير قوله تعالى: {إِنَّ


(١) ش: "بالإتيان".
(٢) في ع بعدها زيادة: "بصاحبها".
(٣) ع: "هاوية بسالكها ... السافلين".
(٤) العبارة السابقة "فإن طريق الحق تأخذ ... سافلين" جاءت في ع في هذا الموضع.
(٥) "البسيط" للواحدي (١٢/ ٦٠٧)، "تفسير البغوي" (٤/ ٣٨٢). وانظر: "معاني الفراء" (٢/ ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>