للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لو أريد هذا المعنى لكان الأليق به أداة "إلى" التي هي للانتهاء، لا أداة "على" التي هي للوجوب. ألا ترى أنّه لمّا أراد الوصول قال: {(٢٤) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا} (١) [الغاشية: ٢٥ - ٢٦]، وقال: {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [يونس: ٧٠]، {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ} [الأنعام: ١٠٨]؛ وقال لمّا أراد الوجوب: {(٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا} [الغاشية: ٢٦]، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: ١٧]، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ونظائر ذلك؟

قيل: في ذكر أداة "على" سرٌّ لطيفٌ، وهو الإشعار بكون السّالك على هذا الصِّراط على هدًى وحقٍّ مع وصوله إلى الله تعالى؛ فغايتُه الوصول إلى الله، وهو في حال استقامته على هدًى (٢) وعلى حقٍّ؛ كما قال في حقِّ المؤمنين: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: ٥]. وقال لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: ٧٩]. والله عزّ وجلّ هو الحقُّ، وسراطه (٣) حقٌّ، ودينه حقٌّ، فمن استقام على صراطه فهو على الحقِّ والهدى. وكان (٤) في دلالة أداة "على" على هذا المعنى ما ليس في أداة "إلى" (٥) فتأمّله، فإنّه سرٌّ بديعٌ.


(١) لم ترد الآية الثانية هنا في ع، وذلك أنسب. وفيها بعد الآية الأولى: "ثم قال".
(٢) العبارة: "وحقٍّ مع وصوله ... على هدًى" ساقطة من ع لانتقال النظر.
(٣) كذا في ق، ل بالسين هنا وبالصاد فيما يأتي. وفي غيرهما بالصاد في الموضعين.
(٤) كذا في جميع النسخ غير أن ل كان فيها "فكان" ــ فيما يظهر ــ ثم أصلح إلى "وكان"، والأول أشبه.
(٥) ش: "في دلالة إلى". وقد كتب بعضهم في هامش م: "دلالة" مع إشارة اللحق بعد "في". يعني: "في دلالة أداة (إلى) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>