للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللهِ كم هاهنا من قتيلٍ وسَلِيبٍ وحَرِيبٍ (١) يقول: من أين أُتِيتُ؟ ومن أين دُهِيتُ؟ من أين أُصِبتُ؟ وأقلُّ ما يُعاقَب به من الحرمان بذلك: أن يُغلَق عنه باب المزيد. ولهذا العارفون وأرباب البصائر إذا نالوا شيئًا من ذلك انحرفوا إلى طرفِ الذُّلِّ والانكسار، ومطالعةِ عيوب النّفس، واستدْعَوا حارسَ الخوف، وحافظوا على الرِّباط بملازمة الثَّغر بين القلب وبين النّفس، ونظروا إلى أقرب الخلق إلى الله، وأكرمِهم عليه، وأدناهم منه وسيلةً، وأعظمهم عنده جاهًا. وقد دخل مكّة يومَ الفتح وذَقَنُه تَمَسُّ قَرَبُوسَ سَرْجِه (٢) انخفاضًا وانكسارًا، وتواضعًا لربِّه تعالى (٣) في مثل تلك (٤) الحال، التي عادةُ النُّفوس البشريّة فيها أن يملِكها سرورُها وفرحُها بالنّصر والظّفر والتّأييد، ويرفعها إلى عَنان السّماء.

فالرّجل من صانَ فتحَه ونصيبَه من الله وواردَه عن استراق نفسه، وبخِلَ عليها به، والعاجز من جاد لها به. فيا له من جودٍ ما أقبحَه! وسماحةٍ ما أسفَهَ صاحِبَها! والله المستعان.

فصل

قال (٥): (الدّرجة الثّانية: الخروج من الخوف إلى ميدان القبض،


(١) الحريب: الذي أُخذ جميع ماله.
(٢) السَّرْج: رَحْل الدابة. والقربوس: حِنْو السّرْج، وهما قربوسان: متقدم السرج ومؤخره.
(٣) انظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ٤٠٥)، و «دلائل النبوة» (٥/ ٦٨)، و «زاد المعاد» (٣/ ٥٩٢).
(٤) ل، د: «ذلك».
(٥) «المنازل» (ص ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>