للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفرَّقت (١) الظِّباءُ على خِراشٍ ... فما يدري خِراشٌ ما يصيدُ

فوظيفته في مثل هذا الحال: أن يَفنى عن واردِه، ويُعلِّق قلبَه بالمتكلِّم وكأنّه يسمع كلامه منه، ويجعل قلبه نهرًا لجريان (٢) معانيه، ويُفرغه من سوى فهم المراد، ويَنصبّ إليه انصبابًا، يتلقّى فيه معانِيَه كتلقِّي المحبِّ للأحباب القادمين عليه، لا يَشْغَلُه حبيبٌ منهم عن حبيبٍ، بل يُعطي كلَّ قادمٍ حقَّه. وكتلقِّي الضُّيوف والزُّوّار. وهذا إنّما يكون مع سعة القلب، وقوّة الاستعداد، وكمال الحضور.

فإذا سمع خطاب التّرغيب والتّشويق واللُّطف والإحسان: لا يفنى به عمّا يجيء بعده من خطاب التّخويف والتّرهيب والعدل، بل يتلقَّى الخطاب الثّاني مستصحبًا لحكم الخطاب الأوّل، ويَمزِج هذا بهذا، ويسيرُ (٣) بهما جميعًا، عاكفًا بقلبه على المتكلِّم وصفاته.

وهذا سيرٌ في الله، وهو نوعٌ آخر أرفع وأعلى من مجرّد المسير إليه، ولا ينقطع بذلك سيره إليه، بل يُدَرِّج سيرَه (٤)، فإنّ سير القلب في معاني أسمائه وصفاته وتوحيده ومعرفته.


(١) كذا في النسخ. وفي هامش ش، د: «تكاثرت». والبيت بالروايتين في المصادر. وفي بعضها «خداش» بدل «خراش». والبيت لعبد الله بن معاوية في «تاريخ الطبري» (٧/ ٣٠٣)، و «الأغاني» (١٢/ ٢٢٩). وبلا نسبة في «تاريخ الطبري» (٨/ ٩٢)، و «التمثيل والمحاضرة» (ص ٣٦١)، و «المثل السائر» (١/ ١١٧).
(٢) ش، د: «لجريات».
(٣) ل: «ويشير».
(٤) أي يجعله في درجات.

<<  <  ج: ص:  >  >>