للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقي بعد هذا مرتبةٌ رابعةٌ، وهو (١): أن يفنى بذكر الحقِّ سبحانه له عن كلِّ ذكرٍ، فإنّه ما ذكرَ الله إلّا بعد ذكْرِ الله له، فذِكرُ الله للعبد سابقٌ على ذِكر العبد للرّبِّ. ففي هذه المرتبة الرّابعة يشهد صفاتِ المذكور سبحانه وذِكرَه لعبده، فيفنى بذلك عن شهود ما من العبد. وهذا الذي يُسمُّونه وجدانَ المذكور في الذِّكر والذّاكر، فإنّ الذّاكر وذِكْره والمذكور ثلاثة أشياء: فالذّاكر وذِكْره قد اضمحلّا وفَنِيا، ولم يبقَ غيرُ المذكور وحده، ولا شيء معه سواه، فهو الذّاكر لنفسه بنفسه من غير حلولٍ ولا اتِّحادٍ، بل الذِّكر منه بدأ وإليه يعود.

وذِكر العبد لربِّه محفوفٌ بذكرين من ربِّه له: ذكرٍ قبلَه به صار العبد ذاكرًا له، وذكرٍ بعدَه [به] (٢) صار العبد مذكورًا، كما قال تعالى: {(١٥١) فَاذْكُرُونِي} [البقرة: ١٥٢]. وقال فيما يروي عنه نبيُّه - صلى الله عليه وسلم -: «من ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منه (٣)» (٤).

والذِّكر الذي ذكره الله به بعد ذِكْره له: نوعٌ غير الذِّكر الذي ذكره به (٥) قبل ذِكْرِه له، ومن كَثُف فهمُه عن هذا فليجاوزْه إلى غيره، فقد قيل (٦):


(١) كذا في جميع النسخ بتذكير الضمير.
(٢) ليست في النسخ.
(٣) ش، د: «منهم». والرواية بالوجهين.
(٤) تقدَّم قريبًا (ص ٢١٩).
(٥) «به» ليست في ش، د.
(٦) البيت لعمرو بن معدي كرب من قصيدة له في «الأصمعيات» (رقم ٦١)، و «خزانة الأدب» (٣/ ٤٦٣)، و «معاهد التنصيص» (٢/ ٢٣٦)، و «ديوانه» (ص ١٣٢ - ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>