للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكمال التي لا يوصف بها غيره فيكون شريكًا له؛ فلو عدمها لكان كلُّ موجودٍ أكمل منه، لأنّ الموجود أكمل من المعدوم.

ولهذا لا يحمد نفسَه بعدمٍ إلّا إذا كان متضمِّنًا ثبوتًا، كما حمِد نفسَه بكونه لا يموت لتضمُّنه كمالَ حياته، وحمِد نفسَه بأنه لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ لتضمُّن ذلك كمالَ قيُّوميّته، وحمِد نفسَه بأنّه لا يعزُب عن علمه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء (١) لكمال علمه وإحاطته، وحمِد نفسَه بأنّه لا يظلم أحدًا لكمال عدله وإحسانه، وحمِد نفسَه بأنّه لا تدركه الأبصار لكمال عظمته، يُرى ولا يُدرَك، كما أنّه يُعلَم ولا يُحاط به علمًا؛ وإلا فمجرَّدُ نفي الرُّؤية ليس بكمالٍ لأنّ العدم لا يُرى، فليس في كون الشّيء لا يُرى كمالٌ البتّة. وإنّما الكمال في كونه لا يحاط به رؤيةً ولا إدراكًا، لعظمته في نفسه وتعاليه عن إدراك المخلوق له. وكذلك حمِد نفسَه بعدم الغفلة والنِّسيان لكمال علمه. فكلُّ سلبٍ في القرآن حمِد به نفسَه فلمضادّته لثبوت ضدِّه، ولتضمُّنه كمالَ ثبوت ضدِّه (٢).

فعلمتَ أنّ حقيقةَ الحمد تابعةٌ لثبوت أوصاف الكمال، وأنّ نفيها نفيٌ لحمده، ونفي الحمد مستلزمٌ لثبوت ضدِّه.

فصل

فهذا دلالة الحمد على توحيد الأسماء والصِّفات.


(١) في ع بعده زيادة: "ولا أصغر من ذلك ولا أكبر".
(٢) كذا في النسخ، والأولى: "ولتضمنه ثبوت كمال ضدِّه" كما نُبِّه في حاشية المطبوع. وانظر: "بدائع الفوائد" (١/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>