للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّجدة؟ فقال: هذا بداية ذُلِّه، وفارقَه عزُّه من الآن، وقرُبَ زوالُ أمره. فقيل له: متى هذا؟ فقال: لا تُربَطُ خيولُ الجند على القُرْط (١) حتّى تُقلَب دولته. فوقع الأمر مثلَ ما أخبر به (٢). سمعت ذلك منه وعنه.

وقال مرّةً: يدخل عليَّ أصحابي وغيرهم، فأرى في وجوههم وأعينهم أمورًا لا أذكرها لهم. فقلتُ له أو غيري: لو أخبرتَهم؟ فقال: أتريدون أن أكون معرِّفًا كمعرّف الولاة؟

وقلت له يومًا: لو عاملْتَنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصّلاح، فقال: لا تصبرون معي على ذلك جمعةً، أو قال: شهرًا.

وأخبرني غير مرّةٍ بأمورٍ باطنةٍ تختصُّ بي، ممّا عزمتُ عليه ولم ينطِقْ به لساني.

وأخبرني ببعض حوادثَ كبارٍ تجري في المستقبل، ولم يُعيِّن أوقاتَها. وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيّتها.

وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعافُ أضعافِ ما شاهدتُه.


(١) يقال: قرَّط الفرسَ: وضع اللجام وراء أُذنِه عند الركض. والمقصود هنا تجهيز خيول الجند وخروجها لقتال الملك الناصر من قِبل الجاشنكير الذي لم يتم له ما أراد بسبب تخلِّي أنصاره عنه ونصرتهم للملك الناصر.
(٢) انظر: «النجوم الزاهرة» (٨/ ٢٣٢ - ٢٧٦)، و «السلوك» للمقريزي (٢/ ٤٥ - ٧١، ٨٠)، ففيهما تفصيل ما جرى للجاشنكير الذي عادى الملكَ الناصر، وانتهى أمره بأن استسلم للناصر، فلما مثل بين يديه عاتبه الناصر على أمور بدرت منه، وكان في يد الناصر وَتَرٌ فطوَّقَ به عُنقَ الجاشنكير إلى أن خنقَه. وكانت مدة سلطنته عشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا. وكان يعادي شيخ الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>