العِلل هاهنا هي عِلل الأعمال من رؤيتها، أو رؤية ثمراتها وإرادتها (١)، أو نحو ذلك، فإنّها عندهم عللٌ.
فصاحب هذه الهمّة يأْنَفُ على همّته وقلبِه من أن يبالي بالعلل، فإنّ همّته فوق ذلك. فمبالاتُه بها وفكرتُه فيها نزولٌ من الهمّة.
وعدمُ هذه المبالاة: إمّا لأنّ العلل لم تحصُلْ له؛ لأنّ علوّ همّته حالَ بينه وبينها، فلا يبالي بما لم يحصل له. وإمّا لأنّ همّتَه وسعةَ مطلبِه وعلوَّه تأتي على تلك العلل وتَستأصلها، فإنّه إذا علَّق همّتَه بما هو أعلى منها تضمّنَتْها الهمّة العالية، فاندرج حكمها في حكم الهمّة العالية. وهذا موضعٌ غريبٌ عزيزٌ جدًّا، وما أدري قصَدَه الشّيخُ أو لا؟
وأمّا أَنَفَتُه من النُّزول على العمل: فكلامٌ يحتاج إلى تقييدٍ وتبيينٍ، وهو أنّ العاليَ الهمّةِ مطلبه فوقَ مطلب العمّال والعبّاد وأعلى منه، فهو يأنف أن ينزل من سماء مطلبه العالية، إلى مجرّد العمل والعبادة، دون السّفر بالقلب إلى الله، ليحصل له ويفوز به، فإنّه طالبٌ لربِّه تعالى طلبًا تامًّا بكلِّ معنًى واعتبارٍ: في عمله، وعبادته ومناجاته، ونومه ويقظته، وحركته وسكونه، وعُزلته وخُلطته، وسائرِ أحواله. فقد انصبغ قلبه بالتّوجُّه إلى الله تعالى أيَّما صِبغةٍ. وهذا الأمر إنّما يكون لأهل المحبّة الصّادقة، فهم لا يَقْنَعون بمجرّد رسوم الأعمال، ولا بالاقتصار على الطّلب حالَ العمل فقط.
وأمّا أنفتُه من الثِّقة بالأمل: فإنّ الثِّقة توجب الفتورَ والتّواني، وصاحب هذه الهمّة ليس من أهل ذاك، كيف وهو طائرٌ لا سائرٌ.