للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العشرون: غضُّ طَرْفِ القلب عمّا سوى المحبوب غيرةً، وعن المحبوب هيبةً (١).

وهذا يحتاج إلى تبيينٍ:

أمّا الأوّل: فظاهرٌ. وأمّا الثّاني: فإنّ غضَّ طَرْفِ القلب عن المحبوب مع كمالِ محبّته كالمستحيل، ولكن عند استيلاء سلطانِ الهيبة يقع مثل هذا، وذلك من علامات المحبّة المقارنة للهيبة والتّعظيم. وقد قيل: إنّ هذا تفسير قول النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «حُبُّك الشّيءَ يُعمِي ويُصِمُّ» (٢)، أي يُعمِي عمّا سواه غيرةً، وعنه هيبةً.

وليس هذا مراد الحديث، ولكنّ المراد به: أنّ حبّك للشّيء يُعمِي ويُصِمُّ عن تأمُّل قبائحه ومساويه, فلا تَراها ولا تَسمعها وإن كانت فيه. وليس المراد به: ذكر المحبّة المطلوبة المتعلِّقة بالرّبِّ, ولا يقال في حبِّ الرّبِّ تبارك وتعالى: «حبُّك الشّيء» , ولا يُوصف صاحبها بالعَمى والصَّمَم.

ونحن لا ننكر المرتبتين المذكورتين، فإنّ المحبّ قد يَعمَى ويَصَمُّ عن سوى محبوبه، وقد يَعمَى ويَصَمُّ عنه بالهيبة والإجلال، ولكن لا تُوصَف محبّة العبد لربِّه تعالى بذلك. وليس أهلها من أهل العَمى والصَّمَم، بل


(١) لم أجده في «القشيرية» وغيرها.
(٢) أخرجه أحمد (٢١٦٩٤، ٢٧٥٤٨)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٢/ ١٠٧)، وأبو داود (٥١٣٠) وغيرهم من حديث أبي الدرداء مرفوعًا. وفي إسناده أبو بكر بن أبي مريم ضعيف. وقد صحَّ عنه موقوفًا، قال المنذري في «مختصر السنن» (٨/ ٣١): يُروى عن بلال (ابن أبي الدرداء) عن أبيه موقوفًا عليه غير مرفوع، وقيل: إنه أشبه بالصواب. وانظر: «المقاصد الحسنة» (ص ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>