للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المحو يصحُّ باعتبارين:

أحدهما: باعتبار الوجود الذّاتيِّ. ولا ريبَ في إثبات محوه بهذا الاعتبار، إذ ليس مع الله موجودٌ بذاته سواه، وكلُّ ما سواه فوجودُه بإيجاده سبحانه.

الاعتبار الثّاني: المحو في الشهود. فلا يشهد فاعلًا غيرَ الحقِّ سبحانه، ولا صفاتٍ غيرَ صفاته، ولا موجودًا سواه، لغَيبتِه بكمال شهوده عن شهود غيره.

وأمّا محو ذلك من الوجود جملةً فهو محْوُ الزّنادقة وطائفة الاتِّحاديّة. وصاحب «المنازل» وكلُّ وليٍّ لله بريءٌ منهم حالًا وعقيدةً.

والمقصود أنَّ مِن عَقَبة المحبّة ينحدر المحبُّ على منازل المحو.

ولمّا كانت منازل المحو والفناء غايةً عند صاحب «المنازل» جعلَ المحبّة عقبةً ينحدر منها إليها.

وأمّا من جعل المحبّة غايةً فمنازلُ المحو عنده أوديةٌ يصعد منها إلى روح المحبّة. وليس بعد المحبّة الصّحيحة إلّا منازل البقاء، وأمّا الفناء والمحو فعِقَابٌ (١) وأوديةٌ في طريقها عند هؤلاء. والله أعلم.

قوله: (وهي آخر منزلةٍ تلتقي فيه مقدِّمة العامّة وساقةُ الخاصّة).

هذا بناء على الأصل الذي ذكره، وهو أنّ المحبّة ينحدر منها على أودية الفناء فهي أوّل أودية (٢) الفناء. فمقدّمةُ العامّة هم في آخر مقام المحبّة،


(١) جمع عَقَبة.
(٢) ل: «منزلة».

<<  <  ج: ص:  >  >>