للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (فيُنشِئ سحابَ السُّرور)، أي ينشئ للعبد سرورًا خاصًّا وفرحًا بربِّه لا عهدَ له بمثله، ولا نظيرَ له في الدُّنيا، ونفحةً من نعيم الجنّة، ونسمةً من ريح شمالهم. فإذا نشأ له ذلك السّحاب أمطر عليه طيب الطَّرب، فطرِبَ باطنُه وسِرُّه لما ورد عليه من عند سيِّده ووليِّه. وإذا اشتدَّ ذلك الطّرب جرى به نهر الافتخار، بتميُّزِه عن أبناء جنسه بما خصَّه الله به.

فإمّا أن يريد به: افتخاره على الشّيطان، وهَزَّه عِطْفَه طربًا وافتخارًا عليه، فإنّ الله لا يكره ذلك. ولهذا يُحبُّ المختالَ بين الصّفّين عند الحرب، لما في ذلك من مراغمة أعدائه، ويُحبُّ الخيلاء عند الصّدقة ــ كما جاء ذلك مُصرَّحًا به في الحديث (١) ــ لسِرٍّ عجيبٍ، يعرفه أولو الصّدقات والبذل من نفوسهم عند ارتياحهم للعطاء، وابتهاجِهم به، واختيالهم على النّفس الشّحيحة الأمّارة بالبخل، وعلى الشّيطان المزيِّن لها ذلك (٢). فهذا الافتخار من تمام العبوديّة.


(١) أخرجه أحمد (٢٣٧٤٧)، وأبو داود (٢٦٥٩)، والنسائي (٥/ ٧٨)، والبيهقي (٧/ ٣٠٨) من حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه -. وفي إسناده ابن جابر وهو مجهول. وله شاهد من حديث عقبة بن عامر الجهني عند أحمد (١٧٣٩٨)، وفيه عبد الله بن زيد الأزرق، وهو مقبول في المتابعات. فالحديث حسن به.
(٢) بعدها في طبعة الفقي زيادة هذه الأبيات وليست في النسخ. وهي للشريف الرضي في «ديوانه» (١/ ٥٠٤، ٥٠٥).
وهم يُنفِدون المال في أوّل الغنى ... ويستأنفون الصّبرَ في آخر الصّبرِ
مَغاويرُ للعَلْيا مغابيرُ للحِمَى ... مَفاريجُ للغُمَّى مَداريكُ للوتْرِ
وتأخذهم في ساعة الجودِ هِزَّةٌ ... كما تأخذ المِطرابَ عن نَزْوة الخمر

<<  <  ج: ص:  >  >>