للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف حال العابد الذي ذاق تصديقُه طعْمَ وعدِ الرّبِّ عزّ وجلّ، فجدَّ في العبادة وأعمالِ البرِّ، لثقتِه بالوعد عليها. وصاحب هذه الدّرجة ذاقتْ إرادتُه طعْمَ الأنس، فهي حال المريد.

ولهذا علق صاحب الدّرجة الأولى بالوعد الجميل، وعلق صاحب هذه بالأنس بالله. والأنس به سبحانه أعلى من الأنس بما يرجوه العابد من نعيم الجنّة. فإذا ذاق المريد طعْمَ الأنس جدَّ في إرادته، واجتهد في حفظ أنسه، وتحصيلِ الأسباب المقوِّية له.

(فلا يَعْلَق به شاغلٌ)، أي لا يتعلّق به شيءٌ يَشْغَله عن سلوكه وسيرِه إلى الله، لشدّة طلبه الباعث عليه أنسه، الذي قد ذاقَ طعمه، وتلذَّذ بحلاوته.

والأنس بالله حالةٌ وجدانيّةٌ، وهي من مقامات الإحسان (١) تقوى بثلاثة أشياء: دوام الذِّكر، وصدق المحبّة، وإحسان العمل.

وقوّة الأنس وضعفه على حسب قوّة القرب، وكلّما كان القلب من ربِّه أقرب كان أنسُه به أقوى، وكلّما كان أبعدَ كانت الوحشة بينه وبين ربِّه أشدّ.

قوله: (ولا يُفسِده عارضٌ)، العارض المفسد هو الذي يَعذُل المحبَّ ويلومه على النّشاط في رضا محبوبه (٢) وطاعته، ويدعوه إلى الالتفات إليه والوقوف معه دون مطلبِه العالي. فهو كالّذي يجيء عَرَضًا يمنع المارَّ في طريقه عن المرور، ويَلْفِته عن جهة مقصده إلى غيرها.


(١) «الإحسان» ليست في ش.
(٢) ت: «المحبوب».

<<  <  ج: ص:  >  >>