للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدق خوفٍ. فاللّام ليست للتّعليل، بل هي على حدِّها في قولك: ذوقٌ لكذا أو رؤيةٌ لكذا. فمتعلّق الوجدِ عصمةٌ، وهي منعةٌ وحفظُ ظاهرٍ وباطنٍ، جذَبَها صدق خوفٍ من الرّبِّ سبحانه.

والفرق بين الوجد في هذه الدّرجة والّتي قبلها: أنّ الوجد في الأولى جذَبه صدقُ الرّجاء، وفي الثّانية جذبَه صدقُ الخوف، وفي الثّالثة ــ التي تُذكر ــ جذَبه صدقُ الحبِّ. فهو معنى قوله: (أو لتلهُّب شوقٍ جذَبَه اشتعالُ محبّةٍ)، وخدَمتْه التّورية في اللهيب والاشتعال. والمحبّة متى قويتْ اشتعلت نارها في القلب، فحدَثَ عنها لهيب الاشتياق إلى لقاء الحبيب.

وهذه الثّلاثة التي تضمَّنتْها هذه الدّرجة ــ وهي الحبُّ والخوف والرّجاء ــ هي التي تبعث على عمارة الوقت بما هو الأولى بصاحبه والأنفع له، وهي أساس السُّلوك والمسيرِ (١) إلى الله سبحانه. وقد جمع سبحانه الثّلاثة في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: ٥٧]. وهذه الثّلاثة هي قطبُ رحى العبوديّة، وعليها دارتْ رَحى الأعمال.

فصل

قال (٢): (والمعنى الثّاني: اسمٌ لطريقِ سالكٍ يسير بين تمكُّنٍ وتلوُّنٍ، لكنّه إلى التّمكُّن ما هو. يسلك الحال، ويلتفت إلى العلم. فالعلم يشغله في حينٍ، والحال يحمله في حينٍ. فبلاؤه بينهما: يُذِيقه شهودًا طورًا، ويكسوه


(١) ر: «والسير».
(٢) «المنازل» (ص ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>