للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيفنى بمحبّة الله عن محبّة ما سواه، وبإرادته ورجائه والخوفِ منه والتّوكُّلِ عليه والإنابة إليه عن إرادة ما سواه وخوفه ورجائه والتّوكُّل عليه.

وهذا الفناء لا ينافي العلم بحالٍ بل ولا يَشْغَل عنه العلم، ولا يحول بين العبد وبينه، بل قد يكون في أغلب الأحوال من أعظم أعوانه. وهذا أمرٌ غفَلَ عنه أكثر المتأخِّرين، بحيث لم يعرفوه ولم يسلكوه، ولكن لم يُخْلِ الله الأرضَ من قائمٍ به داعٍ إليه.

قوله: (فبلاؤه بينهما)، أي عذابه وألمه بين داعي الحال وداعي العلم، فإيمانه يحمله على إجابة داعي العلم، ووارِدُه يحمله على إجابة داعي الحال، فيصير كالغريم بين المطالبينِ (١). كلٌّ منهما يطالبه بحقِّه، وليس بيده إلّا ما يقضي أحدهما.

وقد عرفتَ أنّ هذا من الضِّيق (٢)، وإلّا فمع السّعة يُوفِّي كلًّا منهما حقَّه.

قوله: (يُذِيقه شهودًا طورًا)، أي ذلك البلاء الحاصل بين الدّاعيينِ يُذِيقه شهودًا طورًا، وهو الطّور الذي يكون الحاكم عليه فيه هو العلم.

قوله: (ويكسوه عبرةً طورًا)، الظّاهر: أنّه عِبْرةٌ بالباء الموحّدة، أي اعتبارًا بأفعاله واستدلالًا عليه بها، وأنّه (٣) سبحانه دلَّ على نفسه بأفعاله. فالعلم يكسو صاحبَه اعتباره واستدلاله (٤) على الرّبِّ بأفعاله.


(١) ر، ت: «مطالبين».
(٢) ت: «التضييق».
(٣) ر، ت: «فإنه».
(٤) ر: «اعتبارًا واستدلالًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>