للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخفى من السِّرِّ.

وأعظم (١) السِّتر والإخفاء: أن يستر الله سبحانه حالَ عبده عنه ويخفيه منه، رحمةً به ولطفًا، لئلّا يساكنه وينقطع به عن ربِّه، فإنّ ذلك خِلعةٌ من خِلَع الحقِّ، فإذا سترها صاحبُها ومُلبِسها عن عبده، فقد أراد به أن لا يقف مع شيءٍ دونه، وقد يكون ذلك السِّتر لما شُغِل به العبدُ من (٢) مشاهدة جلال الرّبِّ تعالى وكماله وجماله، أعني مشاهدة القلب لمعاني تلك الصِّفات واستغراقه فيها.

وعلامة هذا الشُّهود الصّحيح: أن يكون باطنه معمورًا بالإحسان، وظاهره مغمورًا بالإسلام، فيكون ظاهره عنوانًا لباطنه، مصدِّقًا لما اتّصف به، وباطنه مصحِّحًا لظاهره. هذا هو الأكمل عند أصحاب الفناء.

وأكمل منه: أن يشهد ما وهبه الله له ويلاحظه ويراه من محض المنّة وعين الجود، فلا يفنى بالمُعطي عن رؤية عطيَّته، ولا يشتغل بالعطيّة (٣) عن معطيها، وقد أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، وذلك لا يكون إلّا برؤيته وملاحظته (٤)، وأمر بذكر نعمته (٥) وآلائه، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [فاطر: ٣]، وقال: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: ٦٩]،


(١) ت، ر، ط: «ومن أعظم».
(٢) ر، ط: «مما يشتغل».
(٣) ليست في ش، واستدركت في هامش د.
(٤) العبارة في ط: «برؤية الفضل والرحمة وملاحظتهما».
(٥) ت، ر: «نعمه».

<<  <  ج: ص:  >  >>