للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} [البقرة: ٢٣١].

فلم يأمر سبحانه بالفناء عن شهودِ نِعَمِه (١)، فضلًا عن أن يكون مقامه (٢) أرفع من مقام شهودها مِن محض (٣) فضله ومنّته.

وقد أشبعنا القولَ في هذا فيما تقدّم (٤)، ولا يأخذنا فيه لومةُ لائمٍ، ولا يأخذ أرباب الفناء في ترجيح الفناء عليه لومة لائمٍ.

فقوله: (أسرَهم الحقُّ عنهم). أي: شَغلَهم به عن ذِكْر أنفسهم، فأنساهم بذِكْره ذِكْرَ نفوسهم، وهذا ضدّ حال الذين نسوا الله فأنساهم أنفسَهم، فإنّ أولئك لمّا نسوه أنساهم (٥) مصالحَ أنفسهم التي لا صلاح لهم إلّا بها فلا يطلبونها، وأنساهم عيوبَهم فلا يُصلحونها، وهؤلاء أنساهم حظوظَهم بحقوقه، وذِكْر ما سواه بذِكْره، والمقصود أنّه سبحانه أخذَهم إليه وشَغَلهم به عنهم.

قوله: (وألاح لهم لائحًا أذهلهم عن إدراك ما هم فيه). ألاح أي: أظْهَر، والمعنى: أظهرَ لهم مِن معرفة جماله وجلاله لائحًا ما، لم تتّسع قلوبُهم بعدَه لإدراك شيءٍ مِن أحوالهم ومقاماتهم، وهذا رقيقةٌ من حال أهل الجنّة، إذا


(١) ر، ط: «نعمته».
(٢) ط: «مقام الفناء».
(٣) ليست في ر، ط.
(٤) (٣/ ٥٥٤ وما بعدها).
(٥) من ت، ر.

<<  <  ج: ص:  >  >>