للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عين الأزل محضًا. والإلهام غايةٌ تمتنع الإشارة إليها).

عينُ التّحقيق عنده هي الفناء في شهود الحقيقة، بحيث يضمحلُّ كلُّ ما سواها في ذلك الشُّهود، وتعود الرُّسومُ أعدامًا (١) محضةً. فالإلهام في هذه الدّرجة يجلو هذه العين للملهَم صِرْفًا، بحيث لا يمازجها شيءٌ من إدراك العقول ولا الحواسِّ، فإن كان هناك إدراكٌ عقليٌّ أو حسِّيٌّ لم يتمحَّض جلاء عين الحقيقة. والنّاطق عن هذا الكشف عندهم لا يفهم عنه إلّا من هو معه، ومشاركٌ له. وعند أرباب هذا الكشف أنّ كَلَّ الخلق عنه في حجابٍ، وعندهم أنّ العلم والعقل والحال حُجُبٌ عليه، وأنّ خطاب الخلق إنّما يكون على لسان الحجاب، وأنّهم لا يفهمون لغة ما وراء الحجاب من المعنى المحجوب؛ فلذلك تمتنع الإشارة إليه والعبارة عنه، فإنّ الإشارة والعبارة إنّما يتعلَّقان بالمحسوس أو المعقول، وهذا أمرٌ وراء الحسِّ والعقل (٢).

وحاصل هذا الإلهام أنّه إلهامٌ ترتفع معه الوسائط كلهُّا وتضمحلُّ وتعدَم، لكن في الشُّهود لا في الوجود. وأمّا الاتِّحاديّة القائلون بوحدة الوجود فإنّهم يجعلون ذلك اضمحلالًا وعدمًا (٣) في الوجود، ويجعلون صاحب


(١) ما عدا ع: "أعلاها" وهو تحريف. وكان "تعود" مهملًا في الأصل فوضع بعضهم نقطتين ليقرأ: "نفوذ" كما في النسخ الأخرى ما عدا ع، وهذا تصحيف أيضًا.
(٢) انظر: "شرح التلمساني" (٢/ ٣٦٢ - ٣٦٦) وقد صدر المؤلف عنه في بعض تفسيره لدرجات الإلهام الثلاث.
(٣) ق، ج: "وعلى ما"، تحريف، وقد أصلح في ل. ويظهر أنه كان في م، ش على الصواب فغيَّره بعضهم إلى الخطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>