للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وهي الظُّلمة التي قالوا: إنّها مقامٌ). يعني: أنّ وحشة الاستتار ظلمةٌ. وقد قال قومٌ: إنّها مقامٌ.

ووجهه: أنّ الرّبّ سبحانه يقيمُ عبدَه بحكمته فيها، لِما ذكرناه من الحِكَم والفوائد، وغيرها ممّا لم نذكره. فبهذا الاعتبار يكون مقامًا، ولكنّ صاحب هذا المقام أنفاسُه أنفاسُ حزنٍ وأسفٍ، وهلاكٍ وتلفٍ، لِما حُجِب عنه من المقام الذي كان فيه.

والشّيخ كأنّه لا يرى ذلك مقامًا، فإنّ المقامات هي منازل في طريق المطلوب، وكلُّ أمرٍ أُقيمَ فيه السّالك مِن حاله الذي يقدِّمه إلى مطلوبه فهو مقامٌ، وأمّا وحشة الاستتار فهي تأخُّرٌ في الحقيقة لا تقدُّمٌ، فكيف تسمّى مقامًا؟! بل هي ضدُّ المقام.

وممّا يدلُّ على أنّ وحشة الاستتار ليست مقامًا أنّ كلّ مقامٍ فهو تعلُّقٌ بالحقِّ سبحانه على وجه الثُّبوت، وحقيقته: أن يكون العبد بالمقيم لا بالمقام. وأمَّا حال الاستتار: فهو حال انقطاعٍ عن ذلك التعلُّق المذكور.

والتّحقيق في ذلك: أنّ له وجهين؛ هو من أحدهما ظُلمةٌ ووحْشَةٌ، ومن الثّاني مقامٌ، فهو باعتبار الحال وباعتبار نفسِه ليس مقامًا، وباعتبار المآل وما يترتّب عليه، وما فيه من تلك الحِكَم والفوائد المذكورة فهو مقامٌ. وبالله التّوفيق (١).


(١) «وبالله التوفيق» ليست في د.

<<  <  ج: ص:  >  >>