للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا: فإنّ الطّبيعة والنّفس لم يموتا، ولم (١) يعدما بالكلِّيّة، ولولا ذلك لما قام سوق التّكليف والامتحان في هذا العالَم، بل قُهِرتا بسلطان العلم والإيمان والمعرفة (٢) والمحبّة، والمقهورُ المغلوبُ لا بدّ أن يتحرّك أحيانًا وإن قلّت، ولكن حركة أسيرٍ مقهورٍ بعد أن كانت حركتُه حركةَ أميرٍ مسلّطٍ.

فمِن تمام إحسان الرّبِّ إلى عبده، وتعريفه قدر نعمته: أن أراه في الأحيان (٣) ما كان حاكمًا عليه قاهرًا له، وقد تقاضاه (٤) ما كان يتقاضاه منه أوّلًا، فحينئذٍ يستغيث العبدُ بربِّه ووليِّه ومالكِ أمرِه كلِّه: «يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، يا مصرِّف القلوب صرِّف قلبي على طاعتك».

وأيضًا: فإنّه يُزيل من قلبه آفةَ الرُّكون إلى نفسه أو عمله أو حاله، كما قيل: إن ركنتَ إلى العلم أنْسَيناكَه، وإن ركنتَ إلى الحال سلبناك إيّاه، وإن ركنتَ إلى المعرفة حجبناها عنك، وإن ركنتَ إلى قلبك أفسدناه عليك، فلا يركن العبدُ إلى شيءٍ سوى الله البتّة، ومتى وجدَ مِن (٥) قلبِه رُكُونًا إلى غيره فليعلم أنّه قد أُحِيل على مفلِسٍ، بل مُعْدِمٍ، وأنّه قد فُتِح له بابُ مَكر (٦)، فليحذر وُلُوجَه، والله المستعان.


(١) من ش.
(٢) ر، ط: «قهرا بسلطان العلم والمعرفة والإيمان».
(٣) ر، ط: «الأعيان».
(٤) ر، ط: «تقاضى».
(٥) ليست في ش.
(٦) ط: «الباب مكرا». وينظر بعض هذه العبارات في «الفوائد» (ص ٢٨٥ - ٢٨٦) نقلًا عمن سمَّاه المؤلف بـ «الشيخ علي».

<<  <  ج: ص:  >  >>