للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا: ليتزايد طلبُه، ويقوى شوقُه، فإنّه لو دامت له تلك الحال لألِفَها واعتادَها، ولم تقع منه «موقعَ الماء مِن ذي الغُلّة الصّادي» (١)، ولا موقع الأمن من الخائف، وموقع (٢) الوِصال من المهجور، فالرّبُّ تعالى واراها عنه ليكمُل فرحُه ولذّتُه وسرورُه بها.

وأيضًا: فليعرِّفه سبحانه قدرَ نعمتِه بما أعطاه وخلَعَ عليه، فإنّه لمّا ذاقَ مرارةَ الفَقْد عرفَ حلاوةَ الوجود، فإنّ الأشياء تتبيّن بأضدادها.

وأيضًا: فيعرِّفه فقرَه وحاجتَه وضرورتَه إلى ربِّه، وأنّه غيرُ مستغنٍ عن فضله وبرِّه طرفةَ عَينٍ، وأنّه إن انقطعَ عنه إمدادُه فسَدَ بالكلِّيّة.

وأيضًا: فيُعرِّفه أنّ ذلك الفضل والعطاء ليس لسببٍ من العبد، وأنّه عاجزٌ عن تحصيلها بكسبٍ أو اختيارٍ، وأنّها مجرّد موهبةٍ وصدَقةٍ تصدّق الله بها عليه لا يبلُغها عملُه ولا ينالُها سعيُه.

وأيضًا: فيُعرِّفه عزّه في مَنْعه، وبرّه في عطائه، وكرمه وجوده في عَوده عليه بما حَجَب عنه، فينفتح على قلبه من معرفة الأسماء والصِّفات بسبب هذا الاستتار والكشف بعده أمورٌ غريبةٌ عجيبةٌ، يعرفها الذّائقُ لها، ويُنكرها مَن ليس مِن أهلها.


(١) من قول القطامي:
فهنَّ ينبذن من قولٍ يُصِبْن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
انظر: «ديوانه» (ص ٨١). وقد أنشده المؤلف مع بيتٍ آخر قبله في «روضة المحبين» (ص ٤٧٤).
(٢) ط: «ولا موقع».

<<  <  ج: ص:  >  >>