للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشاهَدًا له، وحال محبّته وأحكامها قائمًا به، كان نصيبُه من الأُنس على قدر ذلك، فلمّا توارى عنه مطلوبُه وأحكام محبّته استوحش لذلك، فتولّد الحزنُ من تلك الوحشة.

وبعد، فالحزن يتولّد من مفارقة المحبوب، ليس له سببٌ سواه، وإن تولّد من حصول مكروهٍ، فذلك المكروه إنّما كان كذلك (١) لِمَا فاتَ به من المحبوب، فلا حُزْن إذًا ولا همّ ولا غمّ، ولا أذًى ولا كرب إلّا في مفارقة المحبوب، ولهذا كان حزن الفقر والمرض والألم والجهل والخمول والضِّيق وسوء الحال ونحو ذلك= على فراق المحبوب من المال والوجد والعافية، والعلم والسَّعة وحسن الحال، ولهذا جعل الله سبحانه مفارقة المشتَهَيات من أعظم العقوبات، فقال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ: ٥٤].

فالفرحُ والسُّرور بالظّفَر بالمحبوب، والهمُّ والغمُّ والحزن والأسف بفوات المحبوب، فأطيب العيش عيش المحبِّ الواصل إلى محبوبه، وأمَرُّ العيش عيش من حِيل بينه وبين محبوبه.

والاستتار المذكور لا يكون إلّا بعد كشفٍ وعيانٍ، والرّبُّ تعالى يستر عنهم ما يستره رحمةً بهم، ولطفًا بضعيفهم، إذ لو دام له حال الكشف لمَحَقه، بل مِن رحمة ربّه به (٢) أن يردّه إلى أحكام البشريّة، ومقتضى الطّبيعة.


(١) ش، د: «ذلك».
(٢) ط: «بل رحمة به من ربه».

<<  <  ج: ص:  >  >>