للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا غربة المعرفة (١): فلا يبقى معها نسبةٌ بينه وبين أبناء جنسه إلّا بوجهٍ بعيدٍ؛ لأنّه في شأنٍ والنّاس في شأنٍ آخر، فغربته غربة الغربة.

وأيضًا فالصّالحون غرباء في النّاس، والزّاهدون غرباء في الصّالحين، والعارفون غرباء في الزّاهدين.

قوله: (لأنّه غريب الدُّنيا وغريب الآخرة). يعني: أبناء الدُّنيا لا يعرفونه؛ لأنّه ليس منهم، وأهل الآخرة العبّاد الزُّهّاد لا يعرفونه؛ لأنّ شأنه وراء شأنهم، همّتهم متعلِّقةٌ بالعبادة، وهمّته متعلِّقةٌ بالمعبود مع قيامه بالعبادة، فهو يرى النّاس والنّاس لا يرونه، كما قيل (٢):

تَستّرتُ مِن دهري بظلِّ جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني

فلو تسأل الأيّامَ ما اسمي لما دَرَتْ ... وأين مكاني ما عرفْنَ مكاني

* * * *


(١) من قوله: «الغربة أن يكون .. » إلى هنا ساقط من ت وهو انتقال نظر.
(٢) البيتان من قصيدة لأبي نواس في «ديوانه» (ص ٤٦٩)، وقد ذكرهما المؤلف في «طريق الهجرتين» (٢/ ٤٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>