أنوار الأوّليّة، ففتح عينَه في مطالعة الأزليّة، فتخلَّصَ من الهِمَم الدَّنيّة).
إنّما كان هذا الاستغراق عنده أكملَ ممّا قبله؛ لأنّ الأوّل استغراقٌ كاشفٌ في كشفٍ، وهو متضمِّنٌ لتفرقةٍ، وهذا استغراقٌ عن شهود كشفه في الجمع (١)، فتمكَّنَ هذا في حال جمْعِ همَّته مع الحقِّ، حتّى غاب عن إدراك شهوده وذكْرِ رسومه، لِما توالى عليه من الأنوار التي خصَّه الحقُّ بها في الأزل، وهي أنوار كشف اسمه الأوّل، ففتح عينَ بصيرته في مطالعة الاختصاصات الأزليّة، فتخلَّص بذلك من الهمم الدَّنيّة المنقسمة بين تغييرِ مقسومٍ، أو تقريبِ مضمونٍ، أو تعجيلِ مؤخَّرٍ، أو تأخيرِ سابقٍ، أو نحو ذلك.
وقد يراد بالهمم الدّنيّة تعلُّقها بما سوى الحقِّ سبحانه وما كان له، وعلى هذا فاستغرقت شواهده في جمع الحكم وشموله.
وقد يُراد به معنًى آخر، وهو استغراق شواهد الأسماء والصِّفات في الذّات الجامعة لها، فإنّ الذّات جامعةٌ لأسمائها وصفاتها، فإذا استغرق العبد في حضرة الجمع غابت الشّواهد في تلك الحضرة.
وأكملُ من ذلك: أن يشهد كثرةً في وحدةٍ، ووحدةً في كثرةٍ، بمعنى: أنه يشهد كثرة الأسماء والصِّفات في الذّات الواحدة، ووحدة الذّات مع كثرة أسمائها وصفاتها.
وقوله:(ففتح عينه في مطالعة الأزليّة)، أي: نظر بالله لا بنفسه، واستمدّ من فضله وتوفيقه لا من معرفته وتحقيقه، فشاهدَ سبْقَ الله سبحانه لكلِّ شيءٍ